عفواً أيها القانون
«هدى» ليست مجرد شخصية درامية تجسدت على الشاشة فى أول أفلام المخرجة الجريئة «إيناس الدغيدى»، إنها «حالة متكررة»، صرخة فى وجه قانون ظالم لم يتغير «عفواً أيها القانون»، قانون يرفض تطبيق الشريعة السماوية التى تساوى عقوبة المرأة بعقوبة الرجل فى جريمة الزنى، يقول المولى عز وجل (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِى دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة النور، الآية 2.
أما قانون العقوبات فيقرر فى المادة 237 أن من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هى ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلاً من العقوبات المقررة فى المادتين 234 الخاصة بالقتل العمد وعقوبته الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، و236 الخاصة بالضرب المفضى إلى موت وعقوبته الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن من ثلاث إلى سبع سنوات. باختصار، القانون اعتبر «الشرف» ملكاً للرجل، وأعطاه الحق فى الدفاع عن شرفه وقتل زوجته وعشيقها، أما «المرأة» فشرفها ملك الأب أو الأخ أو الزوج، ولأى واحد منها قتلها دون «دية» ولو لمجرد «الشك» فى سلوكها! أما إذا ضبطت زوجها متلبساً بالخيانة فى فراشها وقتلته فتعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وتُحرم من أولادها وحريتها وجميع حقوقها الإنسانية!
وقد شهد المجتمع المصرى مئات الحالات لشابات تعرضن للقتل فى قضايا «الشرف»، ثم اتضح أثناء تشريح جثثهن أنهن «عذراوات» دفعن أرواحهن ثمناً لهوس الرجال بفكرة «الشرف الرفيع الذى لا يسلم من الأذى إلا بالدم».
القانون المصرى لا يعرف الزنى للمرأة غير المتزوجة ولا للرجل غير المتزوج إلا إذا كانا شركاء لمتزوجين فى الزنى.. ولا تقام دعوى الزنى على مرتكب هذه الجريمة إلا بشكوى من الزوج، فإذا ارتكبها رجل فلا بد من شكوى تقدمها زوجته، وإذا ارتكبتها امرأة فلا بد من شكوى يقدمها زوجها.
ويفرق القانون بين الرجل والمرأة فى العقوبة، فبينما يعاقب الرجل الذى يرتكب جريمة الزنى فى منزل الزوجية بالحبس مدة لا تزيد على 6 شهور (هو وشريكته) نجد أن المرأة عقوبتها الحبس مدة لا تزيد على سنتين (هى وشريكها)!
فى فيلم «عفواً أيها القانون» أنقذت «هدى» الأستاذة الجامعية زوجها من عقدة نفسية جعلته عاجزاً جنسياً، وكانت مكافأتها دخول الزوج فى علاقات نسائية، وعندما ضبطته متلبساً فى فراشها بالخيانة أطلقت الرصاص عليه.. وسُجنت «هدى» 15 عاماً.. أما شريكة زوجها فى الفراش فقد نجت من دعوى الزنى واشترت عرض زوجها بأموالها! نحن نحتاج لقانون جديد لتعديل عقوبة جريمة الزنى فى قانون العقوبات، دون أن تقوم ثورة الرجال وتعطل القانون.
الرجل يعتبر أن خيانة الزوجة «حق مشروع»، ويبرر لنفسه تعدد العشيقات بأنه لم يتزوج بأخرى غير زوجته.. باعتبار الخيانة أخف الضررين. أما الأذى النفسى، وذبح كرامة الزوجة بالخيانة، وضياع قدسية الحياة الزوجية، فكلها أشياء لا وجود لها فى قاموس «ذكر» يريد أن يثبت فحولته كل يوم فى فراش جديد، والقانون الحالى يحصنه! حلم تحقيق «المساواة» فى القانون يتفق مع الشريعة الإسلامية: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ).. ومقاصد الشريعة نفسها تهدف للحد من الانفلات الأخلاقى فى المجتمع: (حيثما وُجدت المصلحة فثم شرع الله). لكن القانون الحالى يبرر ممارسة قاعدة «ملك اليمين» دون أى وازع دينى أو رادع أخلاقى.. جريمة لا يفكر مرتكبها أنه يهتك عرض رجل آخر لا يعرفه.
طالما أن الجريمة واحدة فلا بد أن تكون العقوبة متساوية.. لكن -بكل أسف- حتى فى قضايا الآداب (إذا ضُبطت المرأة فى حالة تلبس) يُعتبر الرجل شاهداً على المرأة (إن كانت تمارس الرذيلة معه بمقابل مادى أم لا)، أما المرأة فهى التى يرجمها المجتمع بعار البغاء وتُحذف إنسانيتها من قاموس المجتمع.. وتخسر نفسها إلى الأبد!
أتصور أن صياغة مثل هذا القانون تحتاج لمساهمة الجمعيات النسوية والناشطات فى كتابته ودعمه وتوعية المجتمع بأهميته.. ليس لإنصاف المرأة فحسب، بل للقضاء على ظاهرة الخيانة الزوجية. أما صمت النساء وقبول «دور الضحية»، فهو يشجع الرجل على الطغيان والفتك بلحم النساء دون أن يكترث بالعقوبة التى تجعله (إما شاهداً أو بريئاً)!