تتعامل فئة «الفهلويين» مع مراكز السلطة، التى بات يشغلها منذ الثمانينات من القرن الماضى العناصر «الكلشنكان»، بذكائها الفطرى المعتاد، الذكاء الذى يلخصه بيت الشعر الشهير الذى يقول: دارهم ما دمت فى دارهم.. وأرضهم ما دامت فى أرضهم.. الفهلوى يعتمد على مداراة ومماشاة الجالس على مقاعد القرار، ويميل إلى إرضائه ما دام فى أرضه، وإسماعه ما يريد سماعه، حتى لو لم يكن مقتنعاً به، المهم أن يرضيه.
على سبيل المثال تجد فى استطلاعات الرأى مفارقة كبيرة بين الإجابات المؤيدة لأفكار السلطة والسلوك الواقعى لجموع الناس من المواطنين العاديين. فالمواطن يُسمع كل أذن ما تريد، ويرفع بعدها شعار: «اللى فى القلب فى القلب».
إنها لعبة «الأداء السلبى» الذى يمارسه الفهلويون فى مواجهة «الأداء الكلشنكان»، إذ يكتفى البشر العادى بمنح من يريد ما يريد على مستوى الكلام، ويعمل عكس ما يقول فى الواقع، أو يؤدى بما هو مقتنع به.
والمشكلة الأساسية فى ذلك أن العاديين يشكلون الكتلة الصلبة داخل أى مجتمع، بل هم الأساس فى تحديد بوصلة المجتمع، ففى حالات الاختيار الحر يمكن لهذه الكتلة أن تحدد الجالسين على مقاعد صناعة القرار داخل كافة المجالات، وفى غير ذلك فقد تتبع أسلوب «الرفض الصامت» فتعرقل ما لا ترضاه عن طريق الصمت عن المشاركة فيه.
فى كل الأحوال لا بد أن تعتمد مراكز السلطة على تجسير الفجوة مع العاديين ومد جسور التواصل معهم، وإقناعهم بتبنى توجهاتهم، وضع ما شئت من خطوط تحت كلمة إقناعهم، فالاقتناع هو أساس الوعى السليم، والوعى السليم لا يتأتى إلا بتوفير المعلومات الصريحة الدقيقة الواضحة للجميع. الوعى هو الأداة الكبرى والأساسية القادرة على ضبط بوصلة العاديين من البشر، وتطوير أدائهم بما يصب فى مصلحة المجموع.
إن ثمة طريقين أساسيين لإقالة أى مجتمع من عثرته، الطريق الأول هو الارتقاء بفئة الكلشنكان وتطويرها لتجد مكانها بين فئة المتعلمين والمثقفين الحقيقيين، مردود ذلك عظيم الإيجابية على المجتمع بشرط ألا يقع «الحقيقيون» فى المطب الذى تحدث عنه محمود أبوزيد فى فيلم «البيضة والحجر»، حين حذّر العالم من انحراف المتعلمين وبهيظة المثقفين.
الطريق الثانى هو رفع مستوى وعى قطاع الفهلويين من أبناء المجتمع، لأن الوعى ينقلهم من حالة الفهلوة إلى الواقعية، أو من مستوى التحايل على الواقع إلى البحث عمن يمكن أن يلعبوا دوراً فى إصلاح الواقع ودعمهم وتشجيعهم.
مثلث الحقيقيين والكلشنكان والفهلويين هو مثلث الحياة داخل العديد من المجتمعات، والفارق بين مجتمع وآخر يتحدد فى القدرة على الدفع بالحقيقيين إلى الأمام، ووضع «الكلشنكان» المحدودين فى أماكنهم الطبيعية وعدم منحهم أكثر مما يستحقون، وتعليم من يلعب ألعاب الفهلوة والتحايل على الواقع أن بإمكانه أن يحقق أهدافه فى الحياة، بل وأكثر مما يطمح إليه، عن طريق عقله ووعيه.