محراب «خديجة»
التجول في حياة السيدة خديجة بنت خويلد أشبه بالسياحة في حديقة غنّاء، معطرة بروائح الورود، ومبتهجة بألوان شتى من الزهور، إنها واحة الأمان التى آوى إليها النبى، صلى الله عليه وسلم، والمرأة التى تكاملت فيها معانى الإنسانية، والتى شاء الله أن ييسرها لمحمد ليلقى همومه على عتبتها.
تنتمي السيدة خديجة -على مستوى الحسب والنسب- إلى عائلة «أسد»، وكانت من أشهر عائلات مكة، وأبوها «خويلد بن أسد»، وعمها عمرو بن أسد، وشقيقها عمرو بن خويلد، وابن عمها ورقة بن نوفل بن أسد.
ويذكر المؤرخون أن أباها «خويلد» هو من تصدى لتُبّع، ملك اليمن، حين أراد الاستيلاء على الحجر الأسود ونقله إلى اليمن، ومنعه من ذلك مع رجال من قريش، أما ورقة بن نوفل فهو أحد كبار الرجال ذوى القيمة والأثر فى المجتمع المكى، وكان لديه علم بالزمان وبالأديان، ويقال إنه كان من الحنفاء، وهو أول من اكتشف نبوة محمد، صلى الله عليه وسلم.
امتازت عائلة السيدة خديجة بالثراء أيضاً، بل هى نفسها كانت ثرية، صاحبة مال وعز، وقد تعرفت على النبى من خلال تجارتها، حين عرضت عليه أن يخرج لها فى مال تاجراً إلى الشام، وتعطيه أفضل ما تعطى غيره من التجار.
وهي خطوة تكشف عن جانب مهم فى شخصيتها يتمثل فى الذكاء، فالواضح أن السيدة خديجة كانت تدرس شخصية محمد فى ذلك الوقت، وقد أرادت اختباره عملياً من خلال هذه السفرة، اختبار أخلاقه على وجه التحديد، لأنها كانت من السيدات اللائى يرين أن الأخلاق هى مفتاح شخصية الرجل، فإذا حسنت أغنت عما عداها، وإن ساءت فلا خير فى غيرها من السمات، مثل الثراء والمكان والمكانة وغير ذلك.
ولعلك تعلم أن «خديجة» أرسلت غلاماً لها مع «محمد» يسمى «ميسرة»، تتبع أداءه فى إدارة المال والتجارة، وكان أول ما فعله بعد عودته أن حدثها عن خلقه الكريم وأدائه الإنساني القويم، وكيف أُعجب من عاملوه بهذين الجانبين فى شخصه، كما حكى لها قول أحد الرهبان الذى توقع أن يكون محمد نبي هذه الأمة.
الحديث كله كان عن «أخلاق النبي»، التي تمثل المفتاح الذى حاولت السيدة خديجة أن تستكشف من خلاله شخصية النبي، وكانت تعلم أنه لا خير فى رجل لا خلق له.
وكان للسيدة خديجة أيضاً حظ وافر من الجمال، فقد تزوجت فى سن صغيرة قبل زواجها من النبي، صلى الله عليه وسلم، حدث ذلك مرتين، وقد شاء الله أن يموت الزوجان، بعد أن أنجبت منهما، وبقى من أولادها هند بن أبى هالة.
وتزوجت النبي، صلى الله عليه وسلم، بعد ذلك، وكونت معه عائلة من أكثر العائلات التي خلدت المعاني الحقيقية للأخلاق فى تاريخ الإنسان، عائلة ضربت أروع الأمثلة فى النضال من أجل كلمة التوحيد، ودافعت عن حق الإنسان فى حياة تسودها القيم والأخلاق النبيلة.
العائلة التي شرفت بأن يكون محمد بن عبدالله فيها الزوج والأب والجد، وأن تكون خديجة بنت خويلد الزوجة والأم والجدة.