رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

سجلات موثقة

قسم : مقالات
الخميس, 19 سبتمبر 2024 16:41

دعوة عامة للمثقفين وأصحاب الأقلام والمبدعين ورجال التاريخ والاقتصاد والسياسة والمؤرخين العسكريين والمحللين للعمل بهمة ونشاط لإعداد سجلات موثقة عن ذلك العام الأسود الذى عاشته غزة والفلسطينيون وهم يواجهون تلك الآلة العسكرية المدعومة من أقوى دول العالم تسليحاً وميزانية وسطوة وسيطرة على جميع المنظمات الدولية.

حتى لا ننسى وحتى لا يزور التاريخ المدعون والمزيفون وبائعو الضمائر والمتسلقون والباحثون عن دور يلمع ويظهر حتى لو كان دوراً غير حقيقي ومدفوع الثمن ومنحازاً للظلم والقهر واللصوص والقتلة، وحتى لا يقام نصب تذكارى لهؤلاء الذين جاءوا من الشتات ليحتلوا أرضاً ليست لهم ويقتلعوا أشجاراً كانت تظلل الأرض وتعشش وسط فروعها طيور السلام والحب والنقاء، ويحصدوا ثماراً لا يملكونها ويدّعون أنهم أصحابها، ويضعون فوقها اسماً مزوراً ينسبونه لهم وكأنهم يختطفون جيلاً كاملاً من الأطفال ويستخرجون له أوراق ميلاد كاذبة وينسبونه لنسائهم دون أي واعز ديني أو إنساني.

واذا كان التاريخ المسجل أو المكتوب ليس إلا سرداً تاريخياً بالاعتماد على سجل مكتوب أو أى وسيلة تواصل موثقة، فإن ذلك التعريف يؤكد أهمية الحفاظ على كل ما يوثق تلك الأيام ويصفها ويصورها، فلا بد أن نحتفظ بصور اغتيال رجال الإعلام والأطفال والنساء.

ولا بد أن نسجل أصوات الانفجارات وانهيار المبانى وتحطم السيارات وصراخ الأطفال والأمهات ونداءات الاستغاثة ولوعة البحث عن الأمهات، خاصة أن ما نحتاجه الآن يختلف عن طرق السرد المستخدمة فى الماضى مثل تقاليد الأسطورة والخرافة أو التاريخ الشفوى أو الآثار المسجلة.

ففى الموسوعات يقولون إن التاريخ المسجل عُرف بالتزامن مع اختراع الكتابة فى الألفية الرابعة ق . م، وبالنسبة لبعض المناطق الجغرافية أو الحضارات يعتبر التاريخ المكتوب محدوداً بالفترة الحديثة فى التاريخ الإنسانى بسبب الاستخدام المحدود للتسجيلات المكتوبة، بالإضافة لذلك لا تسجل حضارات البشر دائماً كل المعلومات المتعلقة بالمؤرخين اللاحقين مثل التأثير الكامل للكوارث الطبيعية وأسماء الأفراد.

وبالتالى يعتبر التاريخ المسجل لأنواع معينة من المعلومات مقيداً بالاعتماد على أنواع السجلات الموجودة، وبسبب ذلك قد يشير التاريخ المسجل فى سياقات مختلفة إلى فترات مختلفة من الوقت وفقاً للموضوع.

وغالباً ما يعتمد تفسير التاريخ المسجل على الطريقة التاريخية أو مجموعة التقنيات والخطوط التى تمكن المؤرخين من استخدامها سواء كانت مصادر أولية أو غيرها من الأدلة لإجراء البحث ومن ثم تدوين وصف الماضى.

وتعرف دراسة الطرق التاريخية المختلفة بأنها علم التاريخ الذى يركز على دراسة كيفية اختلاف مفسرى التاريخ المسجل فى تشكيلهم للتفسيرات للأدلة التاريخية.

ولأهمية السجلات التاريخية فقد حذر ابن خلدون، المؤرخ العربى القديم، وهو من أوائل علماء الاجتماع والتاريخ، فى كتاب بعنوان (المقدمة)، من سبعة أخطاء اعتقد أن المؤرخين غالباً ما يقعون فيها، أهمها على الإطلاق الخرافات اللاذعة، والقبول غير النقدى للبيانات التاريخية، وقدم المنهج العلمى لدراسة التاريخ، وأشار إليه بوصفه (العلم الجديد)، وقد وضعت طريقته التاريخية أساساً لمراقبة دور الدولة والاتصال وخطأ الملاحظة فى التاريخ، وبالتالى فإن ابن خلدون يعتبر «أبوعلم التاريخ» و«أبوفلسفة التاريخ».

وإذا كان تسجيل التاريخ قد بدأ بالفعل مع اختراع الكتابة، فإنه مع مرور الوقت ظهرت طرق جديدة لتسجيله، خاصة مع تطور التكنولوجيا، والآن يمكن التوثيق من خلال التصوير الفوتوغرافى والتسجيلات الصوتية والفيديو، وفى الفترة الأخيرة بدأت أرشفة الويب تحفظ نسخاً من صفحاته وتوثق تاريخ الإنترنت.

هذا وقد واكبت الطرق الأخرى لجمع المعلومات التاريخية التغير على صعيد التكنولوچيا، فعلى سبيل المثال شاهدنا وقرأنا منذ القرن العشرين المحاولات التى تسعى للحفاظ على التاريخ الشفوى بتسجيله، وكان يتم ذلك حتى تسعينات القرن العشرين باستخدام طرق التسجيل التناظرى مثل الشريط السمعى والشرائط ذات البكرات.

ومع ظهور التقنيات الجديدة، أصبحت هناك تسجيلات رقمية يمكن تسجيلها على الأقراص المضغوطة، وعلى الرغم من هذا التقدم التكنولوجى، فإن التفسير والتسجيل التاريخى يعتمد بشكل أساسى وكبير على السجلات المكتوبة، والسبب فى ذلك هو اعتياد المؤرخين على البحث والتواصل بتلك الوسيلة.

وبناء على تلك المعلومات، فإنه من السهل علينا أن ندرك لماذا كانت الصحفية اللامعة شيرين أبوعاقلة أول أهداف الاحتلال قبل بداية الحرب بفترة، ولماذا كان المبنى الذى يضم مكاتب الصحف ووكالات الأنباء، بما تضمه من أرشيفات وأفلام مسجلة وصور فوتوغرافية فى وسط غزة، هو أول أهداف العدوان، ولماذا تعمدوا القضاء على مراسل الجزيرة وائل الدحدوح نفسياً وجسمانياً باغتيال أفراد عائلته وإصابة يده اليمنى بالعجز وهى التى كانت تسجل وتدون كل ما يرتكبونه من مجازر، ولماذا تعمدوا قصف المراسلين والمصورين فى هذه المنطقة ليصبح من الصعب تسجيل ما يحدث؟! إلا أن التاريخ لن ينسى وسيظل يكتب تلك السجلات الموثقة.

 

Rochen Web Hosting