رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

كلهن أميرة العسولي

قسم : مقالات
الخميس, 15 فبراير 2024 18:36

أوراق التاريخ تُعيد نفسها حتى لو اختلفت الصور والأسماء والزمان والمكان إلا أن المضمون واحد والمعنى لا يتغير والسطور تُسجّل وتضيف أسماءً ووقائع ومعانى، وقد تداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعى الأسبوع الماضى مقطع فيديو لطبيبة فلسطينية خاطرت بحياتها لإنقاذ جريح فلسطينى أصيب برصاصة قناص إسرائيلى وبَقى فى خيمة بساحة مستشفى ناصر بخان يونس تعلو صيحات ألمه ومعه عدد من المصابين، وقد أظهر المقطع الطبيبة وهى تقطع المسافة بين باب المستشفى والخيمة التى بها المصاب وهى تخفض رأسها وتعدو للوصول إلى الجريح أثناء القصف الإسرائيلى حتى وصلت إلى هدفها. والطبيبة هى أميرة العسولى، متخصّصة فى مجال النساء والتوليد، حصلت على البورد الفلسطينى فى النساء والولادة عام ٢٠٠٩، وهو عبارة عن تدريب منهجى إكلينيكى وعملى فى التخصّصات الطبية المعتمدة يعتمد على اكتساب المهارات اللازمة للتخصّص أثناء العمل، وتعمل حالياً طبيبة متطوعة فى المجمع الطبى بخان يونس.

فى ٧ أكتوبر الماضى كانت «العسولى» فى القاهرة، بعيداً عن ساحة القتال، إلا أنها أصرت على العودة بعد أن شاهدت المذابح التى ترتكبها القوات الإسرائيلية ضد أهلها. ومن المدهش أن تلك المرأة التى شاهدها العالم كله وهى تعدو دون خوف أو تردّد وحمّست زملاءها من الرجال الذين تحركوا خلفها لإنقاذ الجرحى وإدخالهم مبنى المستشفى متزوجة من مصرى ولها طفلة تحمل الجنسية المصرية، وكان يمكنها البقاء بعيداً عن تلك الأحداث، إلا أن الانتماء وعشق الوطن والأرض والقَسَم الذى ردّدته يوم تخرجها دفعتها للعودة سريعاً إلى ساحة القتال دون خوف من الموت أو الإصابة.

ويبدو أن هذه الدورة من التاريخ وقفت أمامها لتُسجل ذلك المشهد ولتنضم إلى سجل التاريخ العربى الحافل بالبطولات النسائية الكبيرة، إذ حملن السلاح واستطعن أن يكُنّ على رؤوس جيوشهن ويناضلن ببسالة وقوة لا يهبن الحرب ولا حمل السلاح.

وفى جولة وسط أوراق التاريخ تظهر (خولة بنت الأزور)، وهى مجاهدة مسلمة كانت تتنكر فى زى فارس وتحارب إلى جانب الصحابى الجليل خالد بن الوليد، حيث لفتت الأنظار، مما دفع (الزركلى) لأن يقول عنها فى كتابه الأعلام (خولة بنت الأزور الأيدى، شاعرة كانت من أشجع النساء فى عصرها، اصطحبت خالد بن الوليد فى حملاته، وهى أخت ضرار بن الأزور، لها أخبار كثيرة من فتوح الشام، وفى شعرها جزالة وفخر). وذكر «ابن كثير» فى «البداية والنهاية» أنها ممن قاتلوا فى يوم اليرموك، حيث قاتل فى ذلك اليوم نساء المسلمين وقتلن خلقاً كثيراً من الروم، ومنهن خولة بنت الأزور، وخولة بنت الأنصارية وكعوب بنت مالك بن عاصم وسلمى بنت هاشم ونعم بنت فياض وهند بنت عتبة بن ربيعة ولبنى بنت جرير الحميرية وغفيرة بنت غفار وسعيدة بنت عاصم الخولانى.

ومن وسط الأوراق تظهر الشهيدة دلال المغربى، وهى واحدة من أشهر المناضلات الفلسطينيات وُلدت عام ١٩٥٨ فى أحد مخيمات اللجوء فى بيروت، وهى ابنة لعائلة من مدينة يافا لجأت إلى لبنان بعد حرب ١٩٤٨، حيث انضمت إلى صفوف الثورة الفلسطينية مبكراً وتلقت عدة دورات عسكرية ودروساً فى حرب العصابات واستخدام الأسلحة. وقد تأثرت «المغربى» كثيراً باغتيال القادة الثلاثة كمال عدوان وكمال ناصر وأبويوسف النجار عام ١٩٧٣، مما جعلها تشارك بعملية خطط لها القائد خليل الوزير، وفى ١١ مارس ١٩٧٨، نجحت «دلال» فى الوصول إلى تل أبيب والاستيلاء على حافلة إسرائيلية تقل جنوداً، مما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى فى صفوف الجيش الإسرائيلى، وبعدما أمر إيهود باراك بإيقاف الحافلة وقتل الفدائيين قامت «دلال» بتفجير الحافلة بركابها.

أما زينب الكفراوى فهى واحدة من أعظم المناضلات المصريات، وكانت أول سيدة تنضم للمقاومة الشعبية لصد العدوان الثلاثى على بورسعيد وعمرها ١٥ سنة، وبدأ نضالها بتوزيع المنشورات لحث المواطنين على مقاومة الاحتلال، كما شاركت فى عدد من البطولات فى مواجهة العدوان الثلاثى والاحتلال البريطانى الفرنسى للمدينة الباسلة، وكان والدها يعمل بقسم شرطة العرب ببورسعيد، وساعدها فى الانضمام لمعسكر الحرس الوطنى لتلقى التدريب قبل الانضمام إلى صفوف الفدائيين، وساعدت والدها فى إخفاء مستندات مهمة تخص قسم الشرطة حتى لا يتمكن الإنجليز من الوصول إليها.

وقد امتلأت كتب التاريخ الإسلامى بأسماء صحابيات مجاهدات شاركن فى الغزوات والمعارك وكان لهن دور بارز، ومن بينهن نساء النبى صلى الله عليه وسلم، حيث اعتدن مداواة الجرحى وسقى المقاتلين والمساعدة فى دفن الشهداء وإعداد الطعام ومناولة السهام للمقاتلين وتشجيعهم.

فهل قرأت أميرة العسولى تلك الصفحات من تاريخ سيدات الإسلام لتسير على نفس الخُطى وتصبح سيدة الطب والمداواة والشجاعة بلا منافس؟

 

Rochen Web Hosting