رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

صيحة غزة.. بأى حال عدت يا عيد؟!

قسم : مقالات
الجمعة, 12 أبريل 2024 14:46

لم أكن أتصور - إلى وقتٍ قريبٍ - أن سطوة القوة وغطرسة السلاح وشهوة الانتقام يمكن أن تصل فى مداها إلى ما شاهدناه فى إقليم غزة وماعاناه الفلسطينيون الشهور الأخيرة، نعم.. لم نكن نتصور ذلك فقد توهمنا أن الضمير الإنسانى قد أضحى ناضجًا، وأن حقوق الإنسان قد أصبحت تتصدر قضايا العصر وأن التصرفات الهمجية لم يعد لها مكان ولكن خاب ظنى بل وسقط الناقوس من يدى لأن الكل يعلم الحقيقة ولكن المجاهرين بالحق قلة، بينما الذين يدمرون ويقتلون يتصرفون بحرية ووحشية، خصوصًا مع الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن لذلك فإن أصوات أهل غزة ترتفع هذه الأيام إلى عنان السماء تناجى الإله الواحد الأحد فى تساؤل بأى حال عدت يا عيد؟ وإذا كانت مثل هذه المناسبات الدينية ذات تأثير فى حياة البشر إلا أننا أمام نوعية خرجت على القوانين الطبيعية والوضعية وتجاهلت الشرعية الدولية والمعايير الإنسانية وضربت بكل مقومات حقوق الإنسان عرض الحائط ولم تتوقف عن ارتكاب جرائم الحرب فى الأيام المباركة للشهر المفضل لدى مليار ونصف مليار نسمة هم على الأقل مسلمو العالم، وهناك من يناصرونهم من الديانات الأخرى الذين يرفضون تصرفات إسرائيل التى تسجل بها عدوانًا سافرًا على الإنسان والإنسانية، والآن دعنى أتساءل:

 

 

أولًا: ماذا جنت إسرائيل من تلك الحرب التى شنتها على المدنيين الفلسطينيين لمدة تقترب الآن من نصف عام إلا تعميم خطاب الكراهية وتكريس أسباب العداء وتحطيم جسور التواصل، والقضاء على احتمالات التعايش المشترك الذى كنا نتمنى به حقن الدماء والتئام الجراح والتفكير الموضوعى والعادل فى حل الصراع العربى الإسرائيلى بعد أكثر من سبعة عقود من المواجهات المسلحة والحروب الدامية؟ إن إسرائيل فقدت تمامًا مصداقيتها إذا كانت لها مصداقية من قبل! كما أنها فقدت الكثير من أصدقائها الذين لم يتمكنوا من إخفاء الشعور بالظلم الإسرائيلى الذى يقلد جرائم النازى ضد الفلسطينيين ويستبدل الهولوكوست اليهودى بهولوكوست عربى يدفع فيه الأبرياء ثمنًا فادحًا على امتداد ثلاثة أرباع قرن دون توقف تقريبًا.

ثانيًا: إن التحالف التاريخى بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل له صفة استعمارية وصبغة عنصرية لا تخفى على أحد فلقد كانت بريطانيا هى الراعى الأول للحركة الصهيونية حتى أنهت الانتداب وفتحت باب الهجرة إلى إسرائيل ودافعت بشدة عن المشروع اليهودى فى فلسطين، ثم تلتها بعد ذلك دولة أخرى وهى فرنسا راعية مشروع (ديمونة) نواة للترسانة النووية لإسرائيل إلى أن أتى شارل ديجول بمكانته الدولية وشخصيته القوية لكى يحرم إسرائيل الدعم المطلق من جانب بلاده، ويعلن المبدأ الفرنسى الشهير قبيل حرب 1967 بأن فرنسا سوف تقف ضد من يبدأ بالعدوان، ثم جاء الراعى الحقيقى والعراب الأول الذى استندت إليه إسرائيل فى سياساتها العدوانية الاستعمارية العنصرية الاستيطانية، لقد جاء الدعم الأمريكى للدولة العبرية مطلقًا ومفتوحًا بلا سقف أو حدود مع غطاء دولى يمنع الانتقاد أو تطبيق قرارات الشرعية على الدولة التى تهدد بقوة السلام فى الشرق الأوسط بل وتطيح بكل مبادرات التسوية السلمية العادلة، لأنها لا تريد سلامًا ولا عدلًا.

ثالثًا: لقد أثبتت أحداث غزة منذ السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ حتى الآن أن إسرائيل لم تتغير بل ربما كانت التغيرات فيها تتجه إلى الأسوأ حيث وصل اليمين المتطرف إلى مقاعد حكومة تعادى الفلسطينيين والعرب بل وكل البشر من أجل أوهام دينية ودعاوى تاريخية ليس لها سند من حقيقة أو برهان، بل هى شهوة الانتقام والرغبة فى حيازة الأرض والمياه بل والبشر وكل مقومات الحياة، لذلك جاءت مناجاة الشعب الفلسطينى لشعوب الدنيا فى مطلع أيام أكبر أعياده الدينية ليدرك الجميع حجم المعاناة التى يشعر بها الفلسطينيون صباح مساء.

رابعًا: إن تقييم ما جرى من جانب حركة المقاومة الإسلامية حماس فى السابع من أكتوبر عام ٢٠٢٣ سوف يظل موضعًا للاجتهاد، ومحاولة للفهم فى ظل سياسات القهر العدوانى التى مارستها إسرائيل فى السنوات الأخيرة من هدم البيوت على أصحابها وسرقة الأراضى، واغتيال القيادات وإعدام الأطفال، وترويع النساء وخلط الأوراق، واختلاق الأكاذيب أمام المجتمع الدولى كله، وذلك حدث بغض النظر عن حسابات كل طرف للمكسب والخسارة، وهو أمر لم يأت من فراغ وهو ما أكده صراحة وعلنًا أكبر موظف دولى هو الأمين العام الحالى للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش لأن المعاناة الفلسطينية هى التى ولدّت نوعًا من المقاومة الانتحارية نتيجة اليأس وغياب الأمل وافتقاد الحلول التى يمكن أن تخرج بالمنطقة من محنتها التى طالت سنين عددًا.

هذه هى صيحات أهل غزة المكلومين فى عشية العيد الذى ينهى صيام الشهر المبارك ويذكر العالمين شرقًا وغربًا بأن قضية شعب فلسطين لن تجد فى النهاية إلا حلًا عادلًا مهما يطل الزمن وتراكمت التضحيات وتزايدت أسباب الكراهية.

Rochen Web Hosting