رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

بمناسبة وباء «كورونا» المعاصر: الإيمان.. تلسكوب العقل

قسم : مقالات
الأحد, 26 أبريل 2020 10:08

1- معروف أن الإيمان هو الخاص بمعرفة إلهنا العظيم وتدبيراته فى الكون، وعمله فى الإنسان عبر الدهور منذ أن خلقه، ثم سقط فخلصه من سقوطه، وأعطاه حياة جديدة.

2- ومنذ سقط الإنسان وهو ينتظر لحظة الخلاص من هذا السقوط، والعودة إلى إلهه وخالقه، سر حياته وسعادته، ووجوده، وخلوده.

 

 

3- يقول إشعياء النبى: «أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلَهُ الدَّهْرِ يَهْوَه خَالِقُ أَطْرَافِ الأرْضِ لا يَكِلُّ وَلا يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ» (إِشَعْيَاءَ 40: 28-31).

 

 

4- ومعروف أن العقل محدود، لأن الإنسان- أصلاً- محدود! بينما أمور الإيمان غير محدودة، لأن إلهنا تعالى لا نهائى وغير محدود. من هنا يستحيل على العقل أن يدرك الله تعالى بمفرده، فهيهات أن يستوعب المحدود غير المحدود!!.

 

 

5- وهناك تشبيه بسيط جدًا لهذا الموضوع وهو «العين»: فالعين المجردة محدودة، لا تستطيع أن ترى الكواكب والأقمار البعيدة، إلا فى صورة باهتة غير واضحة. ولكننا حينما نضع على العين المجردة تليسكوبًا متطورًا، نرى هذه الأجرام البعيدة بوضوح أكثر وتفاصيل دقيقة. هل العين استطاعت أن ترى هذا دون التليسكوب؟ كلا، وهل التليسكوب استطاع الرؤية دون العين؟ كلا أيضًا، هما إذن يتكاملان!! (العقل والإيمان)، لهذا قال الكتاب المقدس: «لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان» (2 كورنثوس 7:5).

 

 

6- كذلك العقل المحدود، لا يدرك من أمور الألوهة إلا النذر اليسير، ولكننا حينما نستعين بنور الإيمان وعمل الله فى الإنسان، يستنير العقل فيفهم ويستريح ويقتنع ويخشع أمام غير المحدود الله.. محب البشر. لهذا قال الكتاب المقدس: «أَمَّا الْبَارُّ فَبِالإِيمَانِ يَحْيَا» (رومية17:1).

 

 

7- العقل.. هبة الله: وهذه حقيقة أكيدة، فالعقل عطية الله للإنسان. خلقه لنا كى نتفهم ونتدبر أن نسلك بالحكمة. بل إن غايات العقل الإنسانى هى أن يعرف الله، وهو قادر على ذلك بالإيمان، حينما تستنير بصيرة الإنسان الداخلية بعمل الله فيه.

 

 

وحينما يدرس العقل الكون، يدرك بعض الأمور السرمدية (الأزلية - الأبدية)، وأمور اللاهوت والخلق والخلود. وحينما يتأمل مصنوعات الله المذهلة، أو جسم الإنسان الملىء بالأسرار، أو أبعاد الكون الشاسع، يسجد فى خشوع، مقدمًا العبادة والتسبيح لإلهنا العظيم. فهو الذى خلق السماء والأرض وكل ما فيها، ما يرى وما لا يرى.

 

 

8- لذلك يقول سليمان الحكيم: «فى شفتى العاقل توجد حكمة» (أمثال 13:10).

 

 

9- الإيمان والعقل هما بمثابة الجناحين اللذين يمكّنان الإنسان من الارتقاء إلى تأمل الحقيقة، وكما يقول الكتاب المقدس: «بالإيمان نفهم..». فالله هو الذى وضع فى قلب الإنسان الرغبة فى فهم ومعرفة الحقيقة، ومعرفته لذاته!.

 

 

10- ذكر لنا الكتاب المقدس «مثل الزارع»: وهو أن الزارع يبذر الزَّرْعَ فى الأَرض «ثُمَّ يَنامُ فى اللّيلِ ويَقومُ فى النهارِ والزَّرْع ينبت ويَنمو وهوَ لا يَدْرى كيف كانَ ذلك. فالأَرض مِنْ نَفسِها تعمل عملها تُنْبِتُ العُشْبَ أَوَّلاً، ثُمَّ السُّنْبُلَ، ثُمَّ القَمْحَ الذى يَملأُ السُّنْبُل، حتَّى إذا نَضِجَ القَمْحُ حَمَلَ الرجُلُ مِنْجَلَهُ فى الحال، لأَنَّ الحَصادَ قدْ حان» (مرقس26:4-29).

 

 

- فالزرع ينمو بقدرة الله تعالى نموًا خفيًا متواصلاً.

 

 

- أما دور الإنسان فى هذا النموِّ فينحصر فى مساهمته المحدودة التى يقوم بها على قدْر طاقته. فبعدما يزرع زرعه يستسلم إلى الهدوء والسكينة.

 

 

11- مساهمة الإنسان المحدودة: المثل لا يُنكر ما يقوم به الزارع من أعمال فى الحقل. فإنه يحرث الأرض، ويضع السماد، ويقوم بالرى، ويُنقذ النبات من الحشرات الضارة، ويقتلع النباتات الطفيلية. إن كل هذه الأعمال ضروريَّة لنموِّ الزرع، ولكنَّها ليست السببَ الجوهرى لنموِّه.

 

 

12- قدرة الله اللانهائية: إن نمو الزرع فى حد ذاته- وهذا ما نسميه سرَّ الحياة- قدرةٌ خفيَّةٌ وضعها الله تعالى فى داخل الحبَّة، ولولاها لا تنمو هذه الحبة مهما عملت يد الإنسان. فهى تنمو بقدرة الله تعالى.

 

 

13- الإنسان يكتشف القوانين: إن كل ما يفعله العقل الإنسانى هو اكتشاف القوانين الإلهية التى يسير عليها العالم، فمثلاً: حينما اكتشف الطاقة الكهربائية، لم يكن يخترعها.

 

 

- وحينما اكتشف التليسكوب، رأى ما كان موجودًا أصلاً، ولكنّ عينه المحدودة لم تكن لتستطيع ذلك.

 

 

- بل حتى حينما أراد الإنسان أن يضع قدميه على القمر، سار فى خشوع شديد حسب قوانين الكون، التى وضعها مهندس الكون الأعظم - الله تعالى- «لأننا بالإيمان نسلك لا بالعيان» (2 كورنثوس 7:5)، فماذا فعل؟

 

 

- فانطلق الصاروخ بسرعة معينة ليفلت من الجاذبية الأرضية.

 

 

- وأخذ الإنسان معه الأكسجين، لانعدام الهواء هناك.

 

 

- وقدّر جاذبية القمر، ومعنى انعدام الوزن.. أمور كثيرة جدًا سلك الإنسان حسبها، فاستطاع أن يتعرف على المزيد من أعمال الله وعجائبه فى الكون.

 

 

14- سأل الناس العالم العظيم نيوتن: ماذا كان شعورك وأنت تكتشف قوانين الطبيعة؟ فأجاب قائلاً: «كنت كطفل صغير يلهو على شاطئ محيط شاسع».

 

 

- وهذه حقيقة، فالعلوم كلها تتضافر لكى تدرك بعضًا من أسرار الكون، وقوانين المهندس الأعظم - الله تعالى.

 

 

- وفى كل يوم ندرك جديدًا من المعارف والاكتشافات والنظريات، فنتعرف على طاقات كامنة مذخرة، ونصل إلى اختراعات حديثة مدهشة.. كلها تمجد الله، ولا تنقص دور الإيمان!، لذلك قال الرسول بولس: «آمنت.. لذلك تكلمت» (2 كورنثوس 13:4).

 

 

وأخيرًا، يقول القديس بولس الرسول: «وَلَكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لا يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، أنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِى يَأْتِى إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ» (عِبرانِيّين 11: 6). وفى ظل وباء كورونا المنتشر فى العالم حاليًا نقول كما قال داوود النبى: «أَيْضًا إِذَا سِرْتُ فِى وَادِى ظِلِّ الْمَوْتِ لا أَخَافُ شَرًّا، لانَّكَ أَنْتَ مَعِى» (مزمور 23: 4). إن إلهنا العظيم هو الوقاية العظمى من وباء «كورونا»، له كل المجد.

 

 

* أسقف الشباب العام

 

 

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Rochen Web Hosting