رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

ثقافة قبول الآخر.. كيف نقبل الآخر؟

قسم : مقالات
الأحد, 12 يوليو 2020 20:37

يعتبر الآخر مجالاً للخروج عن الذات والأنانية والتقوقع: وهو مجال البرهان الحقيقى لمحبة الله. فالانغلاق تجاه الآخر: هو الانغلاق تجاه الله، وإن لم نحب الآخرين لا نستطيع أن نحب الله. فما أسهل أن نرفض اتجاه الوجوديين الملحدين الذين يقولون إن الآخر هو الجحيم، ولكن ما أصعب أن نخرج من ذواتنا لكى نقبل الآخرين.. والسبب فى هذه المعاناه أننا لا نقبل أنفسنا، ومن ثم فإننا أيضًا لا نقبل الآخرين، لأن قبولنا لأنفسنا شرط أساسى لقبول الآخر.■ لنكن لطفاء:

أ- واللطف هو: أن نُقدّر الآخرين إلى درجة أن نضع أنفسنا مكانهم. والإنسان اللطيف يتصف بالرقة والوداعة، والبُعد عن الخشونة والعُنف والقسوة والتعالى، ولذلك نجده سهل التعامل وحلو المعشر، لأن تصرفاته هى ثمر الروح الوديع الهادئ، العامل فيه.

ب- اللطف صفة من صفات الله تعالى، والكتاب المقدس يوصينا أيضًا أن نكون لطفاء: «كُونُوا لُطَفَاءَ بَعْضُكُمْ نَحْوَ بَعْضٍ، شفوقين، متسامحين» (أفس 32:4).

ج- ولكى نكسب الآخرين لابد أن نكون لطفاء: وباللطف نصير ودعاء، فقد قيل عن السيد المسيح أنه: «لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِى الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ» (متى 19:12- 20).

د- إن لم يكن الإنسان لطيفًا فى تعامله فإنه يكون شخصا غير مُتدين على الإطلاق. لأنَّ الإنسان المتدين لابد أن يسلك بطريقة روحية، فيكون مُشفقاً على الغير، لا يُجازى عن شرّ بشر، أو عن شتيمة بشتيمة.

هـ- القلب العامر باللطف، يكسب الناس بمعاملته اللطيفة. وعلى العكس فإن الإنسان الشديد أو القاسى، قد يخسر أصدقاءه.


و- ما أشد قسوة بعض الناس فى معاملتهم للخطاة: أو مَن يظنونهم خطاة! وما أكثر ما يستخدمون من عبارات جارحة فى توبيخهم! ويحسبون أن هذه غيرة مقدسة منهم على الفضيلة والبِرّ، أو يعتبرون أن هذه شهادة للحق! أو أنهم بالتوبيخ المُرّ يقودونهم إلى التوبة، رغم أن السيد المسيح لم يستعمل هذا الأسلوب مع المرأة السامرية، وقد كانت إنسانة خاطئة، عاشت فى الخطيئة، والذى كان معها وقتها ليس زوجها! تعامل السيد المسيح معها بلطف، ومدحها أثناء الحوار قائلاً لها: «حسنًا قلت». إنها كلمات تحمل معنى اللطف والتشجيع، على الرغم من أنها إنسانة خاطئة. لكنه لم يجرحها ولم يتعامل معها بخشونة وقسوة، ولم يخدش شعورها، بل مدحها، فتغيرت وأصبحت كارزة لمدينة السامرة بأكملها، وبهذا ربحها بلطفه ومحبته للخطاة...

ز- ومن كلمات قداسة البابا شنوده الثالث: إن لم تستطع أن تكون سبب فرح لمن حولك، فعلى الأقل لا تكن سببًا فى تعبهم.

- لذلك لابد أن نسأل أنفسنا: هل حوارنا مع الآخرين هدفه أن ننتصر عليهم ونرغمهم على قبول آرائنا؟!

- وهل يؤول حوارنا إلى مزيد من التقارب أم التباعد، فى الرأى والقلب؟!

- وهل نؤمن بحرية الرأى وبالتنوع وبالتعدد فى الأفكار؟! وهل يظهر ذلك فى تعاملاتنا؟ أم أننا نعمل على إلغاء شخصية الآخر؟! فإمَّا أن يوافقنا، أو نطرحه بعيدًا عنا، ويتحول التنوع إلى خلاف، ويتحول الخلاف إلى قتال، ويتطوَّر القتال إلى عداوة تحتد وتشتد!! ولكن لندرك أن الاختلاف لا يؤدى إلى خلاف... فقد نختلف فى الآراء، ولكن دون عداوة!

■ نجعل كلماتنا فيها عذوبة:

1- نقلل من التوبيخ قدر الإمكان: لا نجرح أحدًا، ولا نسىء الظن بالناس، ولا نحاول أن نصطادهم بتصرف أو بكلمة، ولا نشعرهم بأننا نتخذ منهم موقف المنتقد والعدو.

2- يرغب البعض فى توبيخ الآخرين، رغم أن الذى يوبخ أحدًا أمام الناس قد يخسره، ولا يتغير السلوك الذى وبخ الآخر عليه، بل ربما يزداد عنادًا!.

3- لا نكن دائمى الانتقاد: هناك دائمًا فرق بين النقد البّناء والنقد الهدام، وكثيرًا ما يقع بعض الناس فى هذا الفخ. فالنقد هو أن نتعرض لذكر السلبيات والإيجابيات، بهدف إصلاح وتقويم السلبيات ومضاعفة الإيجابيات، أما النقد الهدام فهو التركيز على السلبيات والتندر بها، بهدف تعيير الآخرين، أو الإقلال من قيمتهم، وهو بذلك لا يبنى.

4- تتذكر أن اللوم أو الانتقاد يضع المرء غالبًا فى موقف الدفاع عن نفسه: فلا يقتنع بأنه مخطئ، بل قد يزيده إصرارًا لمحاولة تبرئة نفسه، أو قد يستمر فى خطئه ليظهر لنا أو لغيرنا أننا لم نكن منصفين.

5- نستطيع بكل سهولة أن ننتقد ونلوم غيرنا، ولكن المحاولة لإيجاد أعذار للمخطئ، هى التى تساعد الناس أن تتغير، وبذلك تصير شخصية مريحة قادرة على كسب الآخرين وإصلاحهم.

6- فلنحذر... نحن أول الخاسرين عندما ننتهر وننتقد ونهدم: فالبناء بأكمله سينهار فوق رأسنا، ونحن بذلك نكسب أعداءً جددًا، ونفقد أصدقاءنا، وبهذا نهدم أنفسنا وعلاقاتنا، ونخسر احترامنا لذواتنا، وتقدير الآخرين لنا.

7- لكى نكسب الآخرين نبعد عن الانتهار والتهكم والنقد والتوبيخ: فهناك بعض الكلمات تكون أكثر حدة من السيف، وأكثر إيلامًا من القذف بالحجارة.. يظن البعض أن الشخصية القوية هى من ينتهر غيره، ويفتخر بذلك، وهذا لا يجدى شيئًا، بل يجعلنا نخسر الناس قطعًا... فالشخصية القوية هى المملوءة محبة وعطاء ولهذا فهى قادرة على التأثير فى الغير تأثيرًا إيجابيًا.

أذكر القارئ أننى ذكرت فى العدد الماضى 3 نقاط فى كيفية قبول الآخر وهى:

1- الاهتمام بمشاعر الآخر:

الاهتمام العميق بالآخرين ومشاعرهم واحتياجاتهم وآلامهم وأفراحهم، هو من أهم أسرار قبول الآخر. إن تقديمك لمشاعر المحبة والاهتمام الصادق، لا بد أن يثمر جاذبية فى الشخصية وترحيبا بك من القلب، وإن الاهتمام بالآخر هو الجسر الذهبى الذى يفتح لك القلوب، حيث تعبر من الأنا إلى الآخر. عندما تُبدى اهتمامًا صادقًا مخلصًا بكل ما يهم الآخرين، فإنك تنال فى قلوبهم المكانة والحب والتقدير، بل يبحثون عنك دائمًا.

2- امتدح الآخرين واشعرهم بتقديرك لهم:

- الحاجة إلى التقدير تعتبر من أهم احتياجات البشر، وهى رغبة متأصلة فى النفس الإنسانية. وعندما تضع إنسانًا فى مرتبة عالية اجتماعية فأنت تعطيه تقديرًا ساميًا يأسر قلبه فى الحال، ويمنحه اعتبارًا كبيرًا، ويرفع من شأنه أمام نفسه، وأمام الآخرين. وبهذا يصير هذا الإنسان مقدرًا محبتك وتقديرك.

3 - بشاشة الوجه وثقافة الابتسامة:

من أسرار قبول الآخر «الابتسامة»: فإن أردت أن يهرب منك الناس فارسم على وجهك تجهمًا وكآبة ورفضًا للواقع وللآخرين.. فالبعض يعتقد أن التدين السليم يدعو للكآبة والحزن والمشاعر الجافة، والناس أيضًا يحبون الشخص خفيف الظل، الذى يشعرون بالمتعة فى صحبته، وأنه سبب فرح لهم، فيُسرون بصحبته والتواجد معه، بل يبحثون عنه. على عكس الشخص العابس الذى يتجنبه الناس.

.. ونستكمل حديثنا: كيف نقبل الآخر؟!

الأنبا موسى أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Rochen Web Hosting