رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

بركات قبول الآخر

قسم : مقالات
الأحد, 26 يوليو 2020 12:21

هناك دراسات عديدة فى مجال العلوم الإنسانية تهتم بثقافة «قبول الآخر»، أيًا كان هذا الآخر! وقد تحدثنا فى الأسابيع الماضية عن: «مَن هو الآخر؟»، و«كيف نقبل الآخر»؟.. ولا شك أن هناك بركات كثيرة ننالها حينما نقبل الآخر فى: الأسرة، ودُور العبادة، والوطن، والعالم كله..ومن بين هذه البركات ما يلى:

أولًا: الآخر فرصة اكتساب فضائل:

أ- إذ كيف يمكن أن يتسع القلب، ونمارس فضيلة المحبة الحقيقية الباذلة دون وجود الآخر؟! إذن، فهى فرصة جيدة أن نتعامل مع الآخرين، إذ نتعلم البذل، ونقدم المحبة، التى هى رباط الكمال، وسر الفرح، كما أنها كذلك الاحتمال والصفح والغفران، فعندما يخطئ إلينا الآخرون نحتمل، ونصفح بنعمة الله، وبالاجتهاد الأمين.

ب- إذن، فالآخر ثروة كبيرة: والتفاعل والتواصل مع المحيطين بنا يُثْرِى حياتنا، ويشهد لإلهنا. ويظن بعض الناس خطأ أن التدين هو ممارسة حياة روحية منتظمة فقط، ولا علاقة لها بوجود الآخر!

ج- وهناك حقيقة مؤكدة لابد أن ندركها، وهى: «لن نستطيع أن نقتنى الفضيلة إلا مع وجود الآخر فى حياتنا».

د- يجب أن نقتنى «المرونة القوية»، التى تعطينا إمكانية السير مع التيار (حين تكون الأمور سليمة)، وضد التيار (فى الأمور الخاطئة)، فالمرونة الضعيفة هى طريق الضياع فى الدنيا والآخرة، بينما انفتاح الإنسان بالحب على الآخرين لا يعنى بالضرورة عدم وجود ضوابط للعلاقة، فكل ما هو مباح بصفة مطلقة يفقد قيمته ومعناه، لذا يجب أن تكون العلاقة مع الآخرين ذات أبعاد مناسبة حسب طبيعة العلاقة، وإلا لن تظل هذه العلاقة سليمة!.

ه‍- فلنهرب من القوالب الجامدة أو التقسيمات الثابتة كأساس، ففى كل يوم تطرح علينا الحياة أطروحات وأشكالًا مختلفة للعلاقات بين البشر، علينا أن نتفاعل معها لأن صور العلاقات يمكن أن تتغير، ولكن دون أن تتأثر المحبة.

و- إن المشاعر (مثل المحبة والكراهية والغضب).. تنتج عنها تغيرات فى كيمياء المخ والأعصاب، تُنتج تغييرًا فى الموجات الكهرومغناطيسية المنبعثة من أجسادنا، ومن خلالها تحدث عملية التجاذب والتنافر بين البشر! فهذه الموجات التى تنبعث من شخص إلى آخر تجعله يشعر بمحبة أو بمشاعر سلبية تجاه الآخر، فالحب إذن طاقة، كما أن الكراهية كذلك، وكل منهما ينتقل إلى الشخص الآخر من خلال هذه التفاعلات الوجدانية، التى يصدرها الإنسان بطريقة عفوية.

ثانيًا: الآخر فرصة خدمة:

أ- إذ كيف نخدم، إن لم يكن هناك الآخر؟ سواء خدمة القدوة حين يرى الآخرون الأعمال الحسنة، فيمجدون الأب السماوى، أو خدمة العطاء، فكلنا نحتاج بعضنا البعض، فحينما نسعى إلى كسب الآخرين نجدهم بعد ذلك عندما نحتاج لمساعدتهم فى مواقف الحياة المختلفة من أفراح أو ضائقات.

ب- والكتاب المقدس يعلمنا أن: «الْجَار الْقَرِيب خَيْرٌ مِنَ الأَخِ الْبَعِيدِ» (أمثال 10:27) لأنه أسهل فى الوصول إليه من الأخ البعيد.. والعلاقات الطيبة المتبادَلة دائمًا مفيدة لجميع الأطراف، سواء فى مجالات الدراسة: (تبادل كتب- خبرات- ملخصات)، أو مجال العمل: (علاقات جيدة- فرص عمل- مجالات جديدة) وفى كل مجالات الحياة.

ثالثًا: الآخر فرصة تعلم وتكامل:

أ- فالاحتكاك والتفاعل مع الآخرين يُثْرِى شخصية الإنسان وفكره: وفى كل يوم أو تعامل يتعلم الإنسان جديدًا فى الحياة، وفضائل من المحيطين به والمتعاملين معه، وكذلك الآخر فرصة اكتشاف لوزناتنا وكشف لعيوبنا. نتعلم من الكبير الخبرة، ومن الشباب الحماس والحركة.

ب- ليكن لنا اجتهاد فى تكوين علاقات مع الآخر: ليس بالضرورة مع المتشابهين معنا، ولكن مع المختلفين عنّا أيضًا، بمعنى أن نسعى لتكوين علاقات التكامل، فاكتمال المعرفة والنضج الشخصى لا يتحقق إلا بالمشاركة مع الآخر.

رابعًا: إلهنا يدعونا إلى الاهتمام بالآخر:

أ- ولا يزال هذا التساؤل الإلهى لـ«قايين»، حين سأل الرب «قايين»: «فَقَالَ الرَّبُّ لِقَايِينَ: أَيْنَ هَابِيلُ أَخُوكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُ! أَحَارِسٌ أَنَا لأَخِى؟» (تكوين 9:4)، وهذا تساؤل مطروح من قِبَل الله إلى كل إنسان: أين أخوك؟.. فإذا أجاب: أحارس أنا لأخى!.. يقول الرب: «أنت حارس لأخيك بالحب والتواصل والمشاركة والصلاة».

ب- ثم الدعوة إلى البحث عن سلامة الإخوة: قال يعقوب، أبوالآباء، لابنه يوسف الصديق: «اذْهَبِ انْظُرْ سَلاَمَةَ إِخْوَتِكَ وَسَلاَمَةَ الْغَنَمِ وَرُدَّ لِى خَبَرًا.. فَوَجَدَهُ رَجُلٌ وَإِذَا هُوَ ضَالٌّ فِى الْحَقْلِ. وسَأَلَهُ الرَّجُلُ قائلاً: مَاذَا تَطْلُبُ؟ فَقَالَ: أَنَا طَالِبٌ إِخْوَتِى. أَخْبِرْنِى أَيْنَ يَرْعُونَ؟» (تكوين14:37-16)، فقد كانت هذه دعوة يعقوب لابنه يوسف، ولكن ماذا كان رد فعل يوسف إزاء ذلك؟ «أنا طالب إخوتى»، ولكن ما الثمن الذى دفعه يوسف لالتزامه بهذه الدعوة؟.. إلقاؤه فى البئر.. ثم العبودية.. وأخيرًا السجن! ولكن الرب قصد به خيرًا، حين صار وكيلاً لفرعون.. والتزم يوسف بإخوته من أجل الله.

ج- «لأنى كيف أصعد إلى أبى والغلام ليس معى» (تكوين 34:44) هذا السؤال يظل قائمًا فى ضمير كل إنسان.. كيف أحيا فى سلام وأخى ليس معى؟! أو كيف يكون لى الكفاف فى احتياجات الجسد، وأخى ليس معى فى حالة اكتفاء؟!.. فكسب الآخرين يبعث على السلام، وهذا لن يتحقق إلا بعلاقات طيبة مع الآخرين. والسلام مطلب أساسى لكل إنسان لكى يكون ناجحًا فى حياته، ونواة صالحة فى المجتمع.. أعاننا الرب أن نكون هكذا.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Rochen Web Hosting