رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الأسرة وتكوين الشخصية

قسم : مقالات
الأحد, 27 سبتمبر 2020 20:15

أولًا: الطفل والنشأة:

- لا شك أن العامل الأساسى فى تكوين الشخصية الإنسانية لكل إنسان: طفلًا أو فتى أو شابًا أو كبيرًا.. هو تأثير الأسرة فى هذا التكوين.

 

 

الأسرة- والأم بالذات- هى المؤثر الأساسى فى شخصية الإنسان: ويكفى أن نذكر هنا كلمات معلمنا بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس: «إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِى فِيكَ، الَّذِى سَكَنَ أَوَّلًا فِى جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِى، وَلَكِنِّى مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا» (2تيموثاوس 5:1). وكأن الإيمان يورث، فتيموثاوس ورث الإيمان عن أمه، وأمه ورثته عن جدته. ومفهوم طبعًا أن الوراثة هنا ليست وراثة تلقائية، بل هى وراثة التأثير والتربية والعشرة الحسنة.

 

 

فالطفل حينما ينشأ فى أسرة تقف أمام الله للصلاة كل يوم: ينشأ فى جو تأثيرات الصلاة، ويتعلم حياة العبادة لله، ولا ينام- مهما تقدمت به الأيام- دون أن يقف أمام الله للصلاة. والطفل الذى لم يسمع من والديه سوى كلمات النعمة والبنيان، لن ينشأ شتَّامًا أو غضوبًا أو منحرفًا.

 

 

ومعروف علميًّا أن مرحلة المهد، فى السنة الأولى والثانية من عمر الإنسان، يسميها العلماء: «مرحلة الثقة»: إذ ينشأ الطفل فى حضن أمه، يشبع من اللبن المادى، ومن الحنان الوجدانى، بل من التأثيرات الروحية الإيمانية فى آن واحد. فالأم تنقل إلى الطفل مجموعة أغذية أثناء إرضاعه وإطعامه، نذكر منها:

 

 

1- الغذاء المادى: من خلال اللبن.. أثمن غذاء فى حياة الطفل.

 

 

2- الغذاء الوجدانى: من خلال حنان الأم.. حينما تحتضن الطفل، وتقبله، وتبتسم فى وجهه بحب شديد.

 

 

3- الغذاء العقلى: حينما تعلمه شيئًا فشيئًا الكلام ومعانى الأشياء.

 

 

4- الغذاء الروحى: حينما تعلمه الإيمان، فيتعرف على الله، ورجال الدين، والسلوك السليم.

 

 

5- الغذاء الاجتماعى: حينما يتلقفه الأهل فى محبة وتعاطف، الأب والأخ والأخت الأقارب والأصدقاء.

 

 

وهكذا تتربى لدى الطفل «الثقة»: أى أنه ينشأ واثقًا من أنه «محبوب ومرغوب فيه» (Wanted)، فتكون نفسيته سوية، غير عدوانية، متعاطفة ودودة، اجتماعية، مبتسمة، وفى سلام. أما الطفل الذى نلقيه إلى «الشغالة»، أو يلقيه هذا إلى ذاك فى نفور وعدم اهتمام وبدون حنان، فينشأ خاليًا من الثقة، ويحس أنه «غير مرغوب فيه» (Unwanted)، مما يجعله فى المستقبل شخصية عصبية، متوترة، وعدوانية، وساخطة على المجتمع، ترى فى كل إنسان عدوًّا لها.

 

 

ثانيًا: التدين العائلى:

 

 

من هنا نلح على كل أسرة أن يكون لها العبادة المشتركة، حينما يجتمع أغلب أفراد الأسرة، فيقفون لصلاة بسيطة جماعية تدفع بالخشوع إلى قلب الطفل.

 

 

ثم يتقدمون إلى خطوة أخرى فيصلون صلوات أخرى، ثم يطلبون من أحد أبناء الأسرة أن يقرأ لهم قراءة دينية.

 

 

وفى خطوة ثالثة يتفقون على الذهاب إلى مكان العبادة معًا.

 

 

وهكذا تترابط الأسرة، وينشأ الأطفال فى جو من السلام والمحبة والتماسك.

 

 

ثالثًا: الشخصية والمشاكل الأسرية:

 

 

يتصور الآباء والأمهات أن المشاكل التى تحدث بينهم فى المنزل، ليست لها أية آثار فى حياة وشخصيات أولادهم.

 

 

- ولا أنسى يومًا كنت أحاول فيه إقناع زوجة بالصلح مع زوجها، وكان معها بعض أقاربها، وكان طفلها يجىء كل بضع دقائق لكى يستريح فى حضن أمه، ولأنها كانت منفعلة جدًا، فكانت تدفعه لإبعاده بأساليب كثيرة، ليدخل إلى حجرة أخرى، ولكن دون جدوى. فالطفل محتاج إلى حضن أمه، حتى إذا كان الطفل يتغذى بلبن صناعى، ينصح الأطباء بأن تضع الأم طفلها فى حضنها، ثم تضع زجاحة اللبن فى فمه. وتقول الدراسات التربوية إن الطفل الذى تضع الأم زجاجة اللبن فى فمه، يجب أن تحتضنه، لأن رأسه سيكون على شمال صدر الأم، فيستمع إلى نبضات قلبها ويحس أنه مازال فى بطنها!!

 

 

إن هذه الأمور يستحيل أن تعبر على الطفل، تلك النفسية الشفافة البريئة، فلقد أخذ الطفل يصرخ دون توقف، متضايقًا من هذا التجاهل وهذه الانفعالات الحادة.

 

 

ولا أنسى أسرة ذهبت لزيارتها، وكانت أسرة متدينة من الطراز الأول، نشأ الأولاد فيها فى سلام ومحبة، ومشبعين بروح العبادة والتدين، ولنا جاءت قريبة لهم تشكو زوجها بانفعال شديد. فإذا بالطفلة الصغيرة فى الأسرة تختبئ فى حجر أمها وتقول لها: «ماما.. اجعلى هذه السيدة تمشى من هنا».. نعم.. فهى لم تتعود على هذا الصياح والهياج والعنف.

 

 

ختامًا: من هنا يجب أن يلتزم الوالدان بما يلى:

 

 

1- الترابط العائلى: وسيادة روح المحبة فى الأسرة.

 

 

2- التربية المتوازنة للأولاد: فلا قسوة ولا تدليل، ولا تناقضات وانقسامات وخلافات، ولا قسوة أب وتدليل أم.. وهكذا.

 

 

3- الفهم السليم لمراحل الأولاد: فطفل الابتدائى يحتاج إلى الحب، وفتى الإعدادى يحتاج إلى الإيمان، وشاب الثانوى يحتاج إلى التوبة والتدين، وفى الجامعة ينبغى أن يكون قد صار ناضجًا.. وحينما يختار شريكة حياته أو يتخذ قرارات المستقبل، يحتاج إلى الحوار والتفاهم.

 

 

4- القدوة الشخصية: إذ يستحيل على الأب المدخن أو المدمن، أن يقنع ابنه بعدم التدخين أو عدم الإدمان. فالإدمان هو ملجأ ضار للشخصيات المتوترة والمضطربة.

 

 

ليتنا نقنع كل أسرة بضرورة سيادة الله على حياتها، وفكر الإيمان على تصرفاتها، والانتماء الدينى على سلوكياتها. ولربنا كل المجد إلى الأبد آمين.

 

 

أسقف الشباب العام

 

 

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

Rochen Web Hosting