رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

ماذا كشف العلم والفضاء من أسرار الكون؟ (4)

قسم : مقالات
الثلاثاء, 24 نوفمبر 2020 14:41



كان كبار أنبيائنا -عليهم صلوات الله- أُميين إلى أن توفوا.. ولم يكن نبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ أو يكتب إلى أن توفاه الله تعالى.. ولم يتعلم عليه السلام العلم الدنيوى قط، ولا خاض فيما خاض فيه البشر من قبله أو من بعده من الآراء والأفكار والتصورات والمذاهب والعقائد والطقوس والقواعد والمراسم والمواسم والبناء والهدم والإقامة والسفر والإيمان والتكفير لا فى زمن رسالته صلى الله عليه وسلم، ولا قبلها الذى امتد إلى أكثر من أربعين سنة قبل مبعثه عليه السلام.

فذلك وأمثاله لدى أتباع غيره صلى الله عليه وسلم بشريات قام وقعد عليها الآدميون حتى اليوم، على كل وجه ولون فى إمكانهم، وقلما يعرف أحد من أهل الأديان الآن معرفة جيدة صحة تاريخ دينه وتاريخ الأديان الأخرى.. هذا التاريخ الذى امتد مئات السنين وطاف فى عشرات بل مئات البلدان والشعوب. وربما كان كل ما مع كل منا مكتوباً أو متداولاً متدينين أو غير متدينين مجرد نتف وشذرات من الواقع القليل الذى حصل، والكثير الغامر الذى أصله أخبار وأقاويل تناقلتها الألسن والأحاديث وتداولتها الأجيال فوثقها الزمن الطويل لدى أصحاب كل دين، وعاشت إلى اليوم كما هى دون أن يرد عليها جديد يوثقها أو يثبتها!.. أما قرب القيامة والحساب والآخرة على ألسنة الأنبياء عليهم السلام، فلم يتحدد قط برقم من سنى دنيانا، وما كان ذلك ممكناً.. لأن دنيانا زائلة أصلاً بخيرها وشرها ومعها اصطلاحاتها، ومقاييسها وأبعادها.. كذلك طيبات الآخرة وعذابها، فهى ليست بحال من الأحوال من قبيل طيبات دنيانا أو بلاياها، ولا يوجد فى لغاتنا ما يحمل معانى الآخرة ولغتها.. وليست كلمات البشر بقادرة على الوصول إليها عدا الرسل والأنبياء.. يصعب علينا أن ندرك الكون العظيم الذى يشمل دنيانا، والذى لا نعرف حدوده، ويصعب علينا معرفتها، وكذا الآخرة التى ننتظرها بعد موتنا.. لا نعرف عنها شيئاً بحواسنا.. كلاهما من صنع الخالق جل شأنه.. سبحانه الذى خلقنا كما خلق كل شىء حى أو ميت فى أرضنا أو فى أى مكان فى أى زمان فى ذلك الكون العظيم!

ولأن حياة البشر دائماً تيارات وموجات يستحيل أن تتوقف كلية فى سيرها من ماضٍ إلى مستقبل.. يشمل كل تيار موجاته واعتقاداته الخاصة، وآراءه وأذواقه التى بها يحكم على ماضيه ذاكراً بعض ما فات ويترقب ما سيجىء.. مستعيناً بما جمع من ماضٍ إلى حاضر.. فالحاضر حاضر دائماً والإعادة والزيادة محاولة تذكر ومحاولة توقع.. تتبادلان محاولتى التذكر والتوقع.. لا تنفصلان فى ذات كل آدمى وأناه.. وهما محاولتان سطحيتان ساذجتان من نتاج وإعراب الذات والأنا من أوائل العمر إلى أواخره.. وقد يتسع يوماً ما لدى الآدميين عامة إدراكهم للكون الواسع، فيعلمون ويقرون ولا ينسون قط فى أية لحظة مَن الذى جعل ويجعل وسيجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً وخلقنا أزواجاً والذى جعل سبحانه يوم الفصل ميقاتاً.. حينئذ سوف ندرك الفارق الهائل بين سطحيتنا الآن وبين حكمة ذلك الآدمى الحكيم الذى لا يعرف حب الذات وخبث الأنا!!

وهذا الأمل أمل باهت صعب الآن إن قيس بما نحن عليه من الكثرة المغرقة الهائلة السخيفة، التافهة الغاية، السطحية الغرض، السريعة التنقل من عمق إلى عمق آخر أشد خلواً وبَلَهاً، لا يكاد يمتاز كبيرها عن صغيرها وعارفها عن جاهلها.. اللهم إلاّ الاحتشاد والتجمع ولكن للادعاء والتظاهر والافتخار الخادع الكاذب والجعجعة والتنافس بين الكل على ذلك ليل نهار.. تنافساً أجوف كله بريق ولمعان فقط.. لا يسبقه عقل عاقل متزن يفرز ويقلب ويضيف ويحذف ويقدّر كل شىء بقدره وسط زحام الأوهام والأحلام، التى تتدفق بلا توقف.. إلى أين؟.. لا أحد يدرى؟!!

هل ننتظر يائسين تدمير النوع البشرى كافة كما دُمر من قبله أنواع وألوان من الأحياء اندثروا تماماً بلا رجعة؟ أم نحقق لبقائنا الآنى ارتقاءً غير مسبوق من شيوع الإنسانية الحقيقية الجادة التى يمكن أن تفيد بما دان لنا من اكتشافات تشهد بكثير الكثير مما فى الفضاء الشمسى بكواكبه وعلاقاته بالكون العظيم من خير عميم.

والعلماء الطبيعيون الآن فى العالم غير قليلين، والكثير منهم كفء فى علمه.. لكنهم لأنانيتهم الغالبة لا يوجهون كفاياتهم إلا إلى أصحاب الصناعة الأثرياء الذين يهمهم ثراؤهم قبل الاهتمام الجاد بأحوال العامة من الناس.. فأغلب أهل العلم الطبيعى وكبار فنييهم منحازون لأشواق الثروة والجاه، إلى الأقلية الثرية التى يزيدونها قوة وقدرة ونفوذاً.. فلم يحقق العلم الطبيعى وكفاياته الفنية الغرض المرجو منه قبل كل شىء، وهو خدمة وترقية غالبية البشر.. وقد صار العلم الطبيعى علماً وحرفة فى زماننا وبداية ونهاية لأصحابه ومدعيه الذين يثبون جميعاً فى البدايات على سلالمه إلى ما قد يتيسر لكل منهم مما يرجوه لنفسه قبل أى غرض آخر!.. لا يتحرك الجميع، علماء وجهلاء أغنياء وفقراء حاكمين ومحكومين، لا يتحركون إلا فى قبضة الأنا بخيالاتها وأوهامها وألعابها وحماقاتها وأخطارها وبلاياها ونكباتها.. لا يوجد الآن عاقل إلا نادر النادر.. فإذا وُجد عز عليه أن يجد من أولاده أو أقاربه أو معارفه أو جيرانه أو معامليه إلاّ ضباب ذات.. كل بغير استثناء!

يلاحظ المتابع المتأمل أننا الآن قد توسعنا بلا استثناء.. عالمنا وجاهلنا وغنينا وفقيرنا وصغيرنا وكبيرنا ومتحضرنا ومتأخرنا.. توسعنا توسعاً هائلاً فى الماديات، وغير الماديات ونسينا إلى حد مذهل داخلنا فيما عدا «أنا» كل منا، فباتت هى كل شىء تقريباً.. هى محور الحياة للآدمى الحىّ باستمرار.. عطاءً وأخذاً وأخذاً وعطاءً.. لا ينقطعان إلى نهاية العمر باطراد يطمئن «الأنا» إلى تحقيق الكسب وتجنب الخسارة، وتحقيق الشبع وكف الجوع.. جوع يتمنى شبعاً، وشبع يفرز جوعاً، وهكذا عطّل هذا الاطراد الالتفات الجاد إلى داخل الآدمى.. هذا الداخل الذى كثيراً ما يُكسب العاقل عمقاً وأحياناً شفافيةً إن لم يتيسر له أن يتعلم شيئاً من العلوم المتداولة فى بيئته.. ولو عرف كل منا تغلغل «أناه» وامتدادها فى حياته إلى آخر العمر لتفطّن لطغيانها على كيانه منذ أن يولد إلى أن يموت.. فهو لا يلتفت لكثرة وسعة الامتداد بحضورها فى اليقظة والنوم والصغر والكبر والصحة والمرض والراحة والتعب واليسر والعسر والضحك والبكاء والسرور والخوف ولا يلاحظ مثولها فيما نسميه ذاتية كل منا واسمه وشخصيته فى ماضيه وحاضره وسمعته وأسرته وأهله وبيئته ومكانته وأصله وفصله.. ربما يفيق الآدمى من هذا الاستغراق الشامل المكتسح فيتخفف من إصراره على التشدد الهائل فى التمسك بالأنا.. وهذه الإفاقة إن حدثت لا تحدث إلاّ إفاقة ذاتية صرف مقطوعة الصلة بالغير خلاف ما تعارف ويتعارف عليه الناس فى كل زمان ومكان من التوافق عند إبرام العقود والعهود وإنجاز المعاملات عن رضا أو غير رضا حسب ظروف كل من طرفى التعامل.

ونحن لا نكف عن استعمال العين حتى فى النوم.. وهى عين الأنا عند كل منا، لكنها لا ترى إلاّ ما هو خارجها.. وذلك دائماً على مسافة ما.. لأن الأنا لا ترى.. فأعيننا تراها فقط فى صورة كل منا فى المرآة أو فى نظائرها وأشباهها عما نحفظه ونعتز به وفيما يتخيله كل منا فى صحوه من رجاء أو خوف وفى نومه من الأحداث!

لو تأمل الآدمى فى داخله وفى أحوال الإنسان، واستوعب ما كشفه العلم والفضاء من أسرار الكون وعجائبه وخيراته، لفهم معنى الحياة، وفهم كيف يمكن أن يستوعب معناها وأن يكون فيها كما أراده الخالق البارئ جل شأنه خليفة له سبحانه، يتواصل مع حركة الكون فى صنع وعمار الحياة!

العلماء الطبيعيون الآن فى العالم غير قليلين، والكثير منهم كفء فى علمه

Rochen Web Hosting