رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

القاهرة تطلب الرحمة والحفاظ على التاريخ

قسم : مقالات
الجمعة, 12 فبراير 2021 17:16

يقام فى القاهرة عدد كبير من مشروعات البنية التحتية، الكثير منها كبارى علوية تقام وسط مبان وشوارع قديمة، وتحولت أحياء سكنية إلى طرق سريعة بالقرب من النوافذ والبلكونات. وقد أفاد كبار خبراء تخطيط المدن بأن بناء الكبارى العلوية داخل المدن ليس الحل الأمثل، ويراعى فى المدن القديمة التاريخية عدم هدم أو تدمير مبانٍ أثرية. ويتفق الجميع على أن الطرق العلوية السريعة هى طرق دائرية حول المدن.

 

هناك مجهود كبير يُبذل فى إنشاء شبكة طرق حديثة، ولكن الجميع يعلم أن شبكة الطرق التى تقام فى الصحراء أو بين مدن فى الخلاء أمر مهم ومطلوب، أما داخل المدن فهناك حذر كبير من ذلك لأهمية الناحية الجمالية، وكذلك الحفاظ على التراث بجميع أنواعه وترك مساحات خضراء. هناك أمثلة كثيرة كمشروع كوبرى الفردوس الذى دمر الكثير من المقابر الأثرية المهمة، وسبق أن كتبت عن تدمير مقبرة الصحفى والأديب الوطنى إحسان عبدالقدوس وغيرها.

بالنظر إلى مدينة عتيقة مثل لندن، لا أحد يمكن أن يقترب من الأجزاء القديمة والمبانى، ولا يجرؤ أحد على بناء كوبرى علوى ويهدم قصرًا قديمًا أو مبنى أثريًا. هناك مناطق فى لندن شوارعها ضيقة ولم يبنِ أحد كوبرى فوقها حتى لا يدمر التراث. وباريس نفس الشىء. صحيح أن باريس أقيمت بواسطة مهندس مدن خطط الشوارع الكبيرة المتسعة والميادين الضخمة، ولكن هناك أحياء فى وسط المدينة شوارعها ضيقة وبها عدد من الحوارى والأزقة ولكنها نظيفة ورائعة، ولا أحد فكر فى إزالتها وتدمير مبانيها. وحسنًا أن الدولة قد استمعت لرأى الشعب والخبراء وقررت نقل مشروع بناء العجلة الضخمة فى حديقة بمدخل الزمالك إلى مكان آخر.

.. يعلم الجميع أنه تم تدمير أجزاء من حى مصر الجديدة وثبت وجود مشاكل كبرى بعد بناء بعض الكبارى، بالإضافة إلى أنه لا يمكن بناء طريق سريع داخل مدينة بين البيوت، فإن هذه المنطقة الجميلة تحولت إلى منطقة قبيحة، وخطرة على السكان الذين يعبرون الشوارع، واضطرت الدولة لتركيب إشارات ضوئية فى طريق سريع حتى يمكن عبور الطريق وهو حل غير مجدٍ فى مصر لأنها تضطر لوضع عساكر مرور عند كل إشارة حتى تلتزم السيارات. والآن تنوى الهيئة بناء كوبرى فى منطقة جميلة وهى البازليك فى مصر الجديدة، وحسب تقرير المهندس سيف أبوالنجا، أمين عام جمعية المعماريين، فإن الكوبرى سوف يدمر أجزاء تراثية بنظام معمارى متميز منذ عام 1905 وعمارات ذات طراز فريد، والكنيسة الأرثوذكسية العريقة، ومقبرة البارون أمبان، وكنيسة البازليك، وسيكون كوبرى كارثيًا يشوه الميدان ويعطل المرور الذى لا توجد به مشكلة فى هذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك فهو مخالفة واضحة للقانون 119 للبناء. فكيف لحكومة أن تخالف علانية قانون البناء، وفى نفس الوقت تحاسب المواطنين وتسجنهم فى حالة مخالفته؟!

ومن ضمن الخطط، هدم القصر الأسطورى الذى بناه برسوم باشا حنا عام 1864 وعمره 167 عامًا فى العباسية، على مساحة 1600 متر مربع، وهو تحفة معمارية من الخارج والداخل، ومسجل فى الآثار برقم 0317000109. دبى، التى يعتبر بعض المسؤولين أنها تحفة معمارية يريدون تقليدها، تتمنى مثل هذا القصر ليكون مزارًا عندهم.

هذا عن الواقع، فماذا عن رأى الخبراء؟ لقد صدر بيان شعبة العمارة والفنون بالمجلس الأعلى للثقافة، التى تضم قمم المعماريين ومخططى المدن فى مصر، يوضح خطورة ما يحدث ويطالب بوقف هذه الأعمال العشوائية، وكانت الشعبة قد أصدرت بيانًا قبل بدء العمل فى كوبرى الفردوس وطالبت بحماية النطاق الشمالى لقرافة المماليك الشمالية، ولم يلتفت أحد إليها، وأرسلت مذكرة أخرى إلى كل الجهات العليا فى مصر مع العلم أنها قدمت دراسة علمية دقيقة عام 2014 من خلال منظمة اليونسكو، ودراسات أخرى عن كل هذه المناطق ولا أحد يستمع إلى الخبراء العالميين الوطنيين.

حين تم بناء القاهرة الخديوية فى عهد الخديو إسماعيل اعترض على باشا مبارك على الاعتداء على أجزاء من القاهرة المملوكية أو القديمة، وكان هناك عقلاء فى الحكومة المصرية فتم البناء فى منطقة أخرى.

الاعتداء على القاهرة الأثرية شمل إزالة عرب اليسار فى سفح القلعة، وخطة نقل حى الصاغة العريق إلى ما يسمى مدينة الذهب، وهذه كارثة ثقافية واقتصادية غير مسبوقة.

مصر وقّعت على العديد من الاتفاقيات الدولية مع اليونسكو لحماية كل الآثار فى العصور المختلفة، ومصر تخالف هذه الاتفاقيات دون سبب واضح، ودون حوار مجتمعى، ودون استشارة وأخذ رأى كبار المعماريين المصريين. زارت القاهرة رئيسة مركز التراث العالمى فى اليونسكو وقابلت رئيس الوزراء ولم يصدر بيان عن المقابلة، وعرفت من بعض الأصدقاء أن هناك نية لنقل مصر من قائمة التراث العالمى إلى قائمة التراث المهدد، وهذا لو حدث سيكون أمرًا جللًا وخطيرًا يؤثر على مستقبل مصر الحضارى والسياحى، ومصداقية مصر فى الالتزام بالاتفاقيات الدولية التى وقعناها مع اليونسكو.

أعتقد أن كل مشروعات الكبارى داخل المدن تتم بحسن نية وبرغبة فى تحسين المواصلات، ولكن حسن النية لا يكفى، رأى مجموع الخبراء مهم فى كل ما يخص مستقبل الوطن، والحوار المجتمعى والرأى الشعبى يجب أن يُؤخذ فى الاعتبار. أرجو أن ينظر المسؤولون لآلاف الآراء والمقالات الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعى، وهم يريدون مصلحة الوطن. فلنتوقف، وكفى ما حدث، ونلتقط الأنفاس ونعرض كل هذه المشروعات على المعماريين المختصين وتتم مناقشتها، وننفذ فقط ما لا يدمر الآثار، ولا يخالف ما سبق أن وقعناه، ويحفظ مستقبل مصر، لأن تاريخ القاهرة لا يملك مصيره جيل واحد ولا حكومة واحدة.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك

 

Rochen Web Hosting