رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

قداسة البابا شنودة الثالث لن ننساك (1)

قسم : مقالات
الإثنين, 22 مارس 2021 13:17

فى ذكرى رحيل قداسة البابا شنوده الثالث، نتذكر قول يشوع ابن سيراخ: «أجسامهم دُفِنَتْ بِالسَّلامِ، وَأَسْمَاؤُهُمْ تَحْيَا مَدَى الأَجْيَالِ» (سيراخ 44: 14)، ستحيا سيرة هذا العملاق مدى الأجيال، وهنا نتذكر بعض جوانب من شخصية قداسته والتى ظهرت فى:

 

أولًا- وطنية الكنيسة:

لا شك أن مصر كلها، والعالم العربى، بل كل العالم.. يذكر لقداسة البابا شنودة الثالث وطنيته الخالصة، ويردد مقولته الخالدة: «إن مصر ليست وطنًا نعيش فيه، ولكنها وطن يعيش فينا».. وأذكر أن الأستاذ أحمد بهجت قال وقتها إن هذه أبلغ عبارة سمعها فى حياته تشرح معنى الوطنية الحقيقية.

- شاهدنا قداسته على الجبهة مع الجنود.

- وشاهدناه فى الأزهر مرات عديدة.

- وشاهدناه فى ولائم المحبة الوطنية، وزيارات كثيرة للمحافل التى تجمع المسلمين والمسيحيين معًا.

- وتابعناه فى مواقفه الوطنية وحواراته الكثيرة على القنوات الفضائية، يدعم روح المحبة والوحدة الوطنية، ويعبر عن الكنيسة الوطنية صاحبة التاريخ النضالى المتميز، فى خدمة الوطن.

- فهو البابا الوطنى.. الذى حفر اسمه بأحرف من نور، فى تاريخ الوطنية المصرية والعربية.

فقداسته قدم الكنيسة القبطية بصورة وطنية رائعة يشارك فى كل شىء- كل المناسبات الوطنية- وأهمها ما أتذكره جيدًا موقفه أولًا من موضوع الأقليات، قال بقوة «لسنا أقليات ولم نقبل أى أجانب تتدخل فى شؤون بلدنا، وأى مشاكل نحلها بيننا وبين بعض، داخليًا».

والموقف الثانى: موقفه من قضية القدس ورد الفعل الهائل لموقف قداسته فى هذا الموضوع، فهو صاحب قرار عدم زيارة القدس إلا مع إخوتنا الفلسطينيين والمسلمين.

وعندما كان قداسته فى جامعة الدول العربية، وألقى كلمته، قطعت بالتصفيق مرات عديدة جدًّا، وأنا خارج قابلنى الأستاذ سعيد كمال، وهو أمين عام الجامعة لشؤون فلسطين وقتها، وقال لى: (بص يا أنبا موسى قداسة البابا كان عريس الحفلة) وقابلنى شخص آخر سعودى وقال لى: أرجوك هاتوا لنا شريط هذه الكلمة لأنى هاوزعه فى كل أنحاء العالم.. فالموقف الرائع الذى وقفه قداسة البابا شنودة فى موضوع القدس رفع رأسنا فى كل مكان.

وأذكر أننا حين كنا على متن الطائرة المتجهة إلى لبنان، جاءت جلستى بجوار رجل كبير، يبدو أنه لفت نظره مجموعة الآباء الأساقفة بالزى الكهنوتى، فسألنى: رايحين فين؟!.. قلت له: ذاهبين إلى لبنان لعقد ندوة تحت عنوان: «مسلمون ومسيحيون معًا من أجل القدس».. فبادرنى على الفور بسؤاله: أنت من الكنيسة القبطية بتاعة البابا شنودة؟!.. فسألته: إنت تعرفه؟! أجابنى الرجل: نحن فى السعودية نقدر ونقدس هذا الرجل، لمواقفه العظيمة من أجل القضية الفلسطينية!.. ولم يكن الرجل السعودى يعرف أن قداسة البابا على نفس الطائرة، وكم كانت فرحته كبيرة عندما أخبرته بهذا، ودعوته لأخذ بركته. وكانت فرحتى أكبر، لأن اسم قداسته وصل حتى إلى السعودية!

وعندما ذهبنا إلى لبنان، قابلوه بحفاوة تصل إلى درجة الرفع فوق رؤوسهم، فرفع رأس الكنيسة كلها ونحن كلنا من ضمن فى كل هذه البلاد، وفى هذه المجتمعات العربية والإسلامية، قدم قداسته وطنية الكنيسة بصورة رائعة.

وقابله وليد جنبلاط زعيم الدروز آنذاك وقال له: «يا قداسة البابا أنت مش بابا الأقباط فقط أنت بابا العرب كلهم». وهكذا نرى للبابا شنودة مكانة كبيرة جدًا فى قلوب الجميع، بدءًا من الرئيس وفضيلة شيخ الأزهر الذى تربطه بقداسة البابا محبة كبيرة جدًّا، وإلى كافة رموز مصر الإسلامية والمسيحية. الجميع يحبون قداسته ويقدرونه.. ما أسعدنا أننا عشنا عصر قداسة البابا شنوده الثالث».

ثانيًا: عالمية الكنيسـة:

لقد خلق قداسة البابا شنودة للأقباط اسمًا ليس فى مصر فقط، ولا فى العالم العربى كله، ولكن فى كل أنحاء العالم. ولقد أصبح اسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى كل مكان، واستطاع قداسته أن يجعل للكنيسة دورًا رائدًا ومؤثرًا فى حياة الوطن، والمجتمع، وأصبح له حضور دائم فى المؤتمرات والمحافل الوطنية والإقليمية والدولية.

لا شك أن الله استخدم قداسة البابا شنودة بأنه خرج بالكنيسة من المحلية إلى العالمية. ونشر الكنائس القبطية فى كل قارات العالم وافتتح الكثير منها، وقد تابعت بنفسى فى زيارة لإحدى دول أمريكا فى مؤتمر عالمى ممثلًا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية كيف أن الجميع يرفعون صوره فوق رؤوسهم ويضعونها على جدران القاعة الضخمة ترحيبًا بوجود قداسته بالمؤتمر، لذلك انطلقت الكنيسة فى كل أنحاء العالم، من خلال:

- كنائس المهجر.

- الحوارات اللاهوتية مع كل الكنائس.

- العمل المسكونى.

خرج قداسته بالكنيسة القبطية لتكون كنيسة عالمية منتشرة فى كل أنحاء العالم، ليس فقط من ناحية الحضور، ولكن من ناحية التأثير والفاعلية.

وفى النهاية نقول هل غاب عنا؟ يستحيل!!!

فهو حاضر معنا، بل حاضر فى كياننا الداخلى:

- فى عقولنا.. فكرة وذكرى.. نتذكر كلماته وتعاليمه ومثاله الطيب.

- وفى قلوبنا.. محبة ومشاعر.. فقد سكن قلوبنا بمحبته لنا، فأحببناه بكل قلوبنا.

- وفى أقوالنا.. سيرة عطرة.. فسيذكر له التاريخ مواقفه اللاهوتية والرهبانية والكنسية والوطنية.. عندما جال أنحاء العالم سفيرًا لمصر والكنيسة.

- وفى كنيستنا.. راعٍ.. يصلى من أجلنا أمام عرش النعمة.

- وفى وطننا.. اسم من ذهب.. بمواقفه الخالدة نحو الوطن والقضايا العربية والعالمية، حتى دُعى بالحقيقة «بابا العرب».

فى ذكرى رحيلك عنا بالجسد، نؤكد لك قداسة البابا شنودة الحبيب أننا لم ولن ننساك.. (يتبع)

* أسقف الشباب العام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

 

Rochen Web Hosting