رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

قداسة البابا شنودة الثالث لن ننساك (2) : جوانب فى حياة قداسة البابا شنودة الثالث

قسم : مقالات
الأحد, 28 مارس 2021 13:04

تكلم قداسة البابا شنودة، فى يوم من أيام الأربعاء، فى محاضرته الأسبوعية عن (تكامل الفضائل) وكيف أنه يبدو أن هناك بعض الفضائل متناقضة مختلفة، بينما هى متكاملة ومتجانسة، وأن كل فضيلة لها وقت ولها ميعاد ولها موقف. وقتها ظللت أتأمل ذلك فى قداسة البابا كيف أن الله أعطاه مجموعة فضائل تبدو أنها متناقضة ولكنها متكاملة.. على سبيل المثال:

 

1- القوة والرقة

2- التأمل والعمل

3- الوحدة والانتشار

4- الحكمة والبساطة

5- الحزم والحب..

1- القوة والرقـــة:

- قداسة البابا شنوده كان ضابطًا فى الجيش، وكان مثقفًا وقارئا وشاعرا وعلى دراية بالمجتمع، وكان عنده حس مجتمعى واضح جدًا، وهذا جعله عندما أصبح بابا للكنيسة، أدخل الكنيسة فى وسط المجتمع لتشهد لله، ولكى يكون للكنسية الدور الحقيقى الخاص بها كشاهدة أمينة، وبروح وطنية عالية جدًا.

- وكان قداسة البابا كالجبل فيه قوة إيمان وصلابة مواقف وقوة قلب، يقف أمام الأقوياء مثل الأسد سواء كانوا متجبرين أو كانت مشكلات أو تجارب مثلما يكون.. وقد علمنا قداسته أنه فى مواجهة المشاكل والتجارب يجب أن نجعلها خارجنا وليس داخلنا، أى نتعامل معها من الخارج ولا نجعلها تدخل إلى داخلنا.. فتنغص حياتنا، وبالفعل رأيناه يفعل ذلك، فبينما نرى قوته فى مواقف عديدة جدًا، مع ذلك نجده فى منتهى الرقة، فيبدو أحيانًا أن القوة تتناقض مع الرقة ولكنهما فضيلتان متكاملتان مع بعضهما البعض.

- ومع كونه كان هكذا لا ننسى تعامله بكل رقة ومحبة شديدة للأطفال، وكذلك مع ذوى الاحتياجات الخاصة، وقد قال لى أحد الشباب من سان فرانسيسكو بأمريكا، إنه فى زيارته لهم عام 1989م، صعد قداسته بعد منتصف الليل مجهدا جدًا وصعد وراءه أحد الشباب ومعه صديقه ليأخذا بركة قداسته، فقال لهما: خلاص يا شباب أنا داخل أرتاح، فطلبا منه البركة، وقال الشاب كيف أن قداسته وقف يكلمهما ويحاورهما ثم باركهما وظل فاتح الباب، لم يغلقه إلا بعد مغادرتهما من أمامه، مما يدل على مدى رقة قداسته، فكان يتعامل مع كل إنسان بوداعة ورقة.

- أتذكر أيضًا عندما ذهبت إلى دير الأنبا صموئيل ثم طلب منى قداسته أن آتى إلى دير البراموس، لا أنسى أنه كان يوجد بالكاتدرائية مؤتمر باترولوجى، وكان به عدد ضخم من الشخصيات الكبيرة، فأراد سيدنا التحدث معى بمفردنا، لكن كان حولنا زحام، فصعدنا معًا سلالم مطبعة مجلة الكرازة القديمة إلى سطح المبنى، وجلسنا على الأرض على السلم فى بساطة، وأخذ يتحدث معى فى أنه يريدنى أن أكون قريبًا من قداسته، وهذا حنان فائق ومذهل، ورقة وعذوبة لا نتصورها أمام هذا العملاق الذى يقال عنه أن «أَسَاسُهُ فِى الْجِبَالِ الْمُقَدَّسَةِ» (مز 1:87).

- كان قداسته صاحب المواقف الوطنية الممتازة، سواء فى سيناء والعريش، أو فى حرب أكتوبر، أو فى زيارة مرضى ومنكوبى الكوارث والسيول والزلازل، وبالأكثر فى موقف قداسته من عدم زيارة الأراضى المقدسة إلا مع أإخوتنا المسلمين.. وفى كافة المحافل الوطنية، والعالمية التى كان فيها بمثابة سفير مصرى حتى النخاع.

- كان دائمًا يطفئ نيران الفتنة الطائفية كلما ظهرت على السطح، حفاظًا على الوحدة الوطنية فى مصر.

- رأينا فى قداسته على قدر ما هو قوى فى شخصيته، وفى قيادته وفى حكمته على قدر ما هو حنين جدًا جدًا، وشفوق وعطوف. لذلك كان يغلبه ثلاثة : الطفل، والفقير، والمظلوم. أى طفل صغير كان يراه، كان يحتضنه بحب كبير جدًا جدًا. وبالنسبة للفقير فقد تحدث مرة فى سيمنار كيف أنه حتى لو الفقير أخذ عن غير استحقاق فى أى شى، لا نتضايق بل يكفى أن ضميرنا يكون مرتاحا، بأننا قدمنا له الاحتياج كما قال. وكذلك المظلوم.

2- التأمل والعمل:

- فرغم تواجد قداسته فى الكاتدرائية وسط زحام شعبه والمسؤوليات والانشغالات الكثيرة والاتصالات من العالم كله، إلا أنه كان قادرا أن يجلس داخل مكتبه ويكتب المقالات بتركيز شديد جدًا، ويؤلف كتبًا وبرامج أخرى عديدة، ويقرأ بتركيز وبعمق، ويتأمل ويسبح بخياله الشاعرى بروح أدبية فائقة، وبروح رهبانية عظيمة، وقد أصدر لنا أكثر من مائة وخمسين كتابًا.

- وفى نفس الوقت الذى يحب فيه قداسته التأمل.. إلا أنه فى العمل لا يقدر أن يسبقه أحد، وهنا أذكركم بشىء كتبه قداسته فى مجلة الكرازة فتوقفنا عنده ونتذكره جيدًا، وهو مقال بعنوان (قال فى شيخوخته) ويقول فيه: «لما كنت شابًا كنت أعمل ولا أتعب، ولما كبرت صرت أعمل وأتعب، وفى الشيخوخة صرت أتعب دون أن أعمل»، ولكن هذا لا يتوافق مع شخصية قداسة البابا الذى بالرغم من تعبه وشيخوخته، كان مذهلاً فى عمله، حتى وقت المرض، ففى وقت (الغسيل الكلوى) يد كان بها العلاج والأخرى ممسكًا بقلمه. فهو كان يعمل فى كل وقت وكل الوقت، يعمل ولا يهدأ، صباحًا ومساءً وفى منتصف الليل.. إنها قوة جبارة من الرب سندت هذا الجسد.

قداسة البابا شنودة لن ننساك..

لن ننسى تعبك من أجلنا، ومقولتك المشهورة: «ينبغى أن يتعب الراعى لتستريح الرعية». (يتبع)

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

 

Rochen Web Hosting