رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

لماذا لا يأخذ الناس اللقاحات؟

قسم : مقالات
الإثنين, 10 مايو 2021 11:43

قبل عام كان الظن أنه في العام القادم (الحالي الآن) سوف يستيقظ الناس على اختفاء الغمة، وتعود الأيام الطيبة إلي سيرتها الأولي. السيناريو المتوقع كان أن الجائحة لن تستمر كذلك بعد أن يتدافع العلماء والأطباء ومراكز البحوث في الدول العظمي والكبرى والغنية بالمال والطب لكي يصلوا إلي اللقاح والعلاج، وتصير الكوفيد مثلها مثل الجدري والإيبولا والإنفلونزا. الجزء الأول من السيناريو حدث مع نقائص من المنافسة والمراجعة، ولكن الجزء الثاني لم يتيسر بعد. والأخطر أنه بعد أن جاء اللقاح وتعددت أشكاله، فإن الإحجام عن تناوله خلق حالة من البلبلة والتردد والخوف والتأجيل، وذلك بالطبع في الدول التي أبقت تلقي اللقاح اختياريا وجزءاً من الحرية الشخصية للإنسان، سواء في تلقي اللقاح أو نقل العدوي للآخرين. أكثر الأخبار المتفائلة حتى الآن تأتي من الولايات المتحدة حيث تلقي اللقاح أكثر من نصف السكان، وقبل منتصف العام سوف يكون الأمريكيون الذين يريدون اللقاح قد تلقوه. في خطاب أخير للرئيس بايدن أعلن عن مجتمعات كاملة تلقت اللقاح، وأصبح في إمكانها أن تعيش كما كان معتادا حتى بدون الكمامات طالما كان المجال مفتوحا. أكثر الأخبار المتشائمة أتت من الهند التي كانت إلي وقت قريب تبارز الدول العظمي في إنتاج اللقاحات؛ ولكنها كما يبدو لم تنجح في توزيعه واستخدامه، أو أنها ببساطة لم يعد لديها ما يكفي من المنظومة الصحية للتعامل مع وباء في بلد عدد سكانه يفوق المليار بثلاثمائة مليون إضافية، وربما أكثر. لم يحدث ذلك في الصين التي لديها أعداد مماثلة من البشر وأكثر، وهي الآن لديها حالة أقرب إلى المعتاد الجديد، وخلال الربع الأول من العام الحالي ٢٠٢١ حققت معدلا للنمو لا يصدق وأكثر من خرافي: ١٨٫٥٪. عادت الصين إلى قوة دفع اقتصادية قيل عنها إنها سوف تكون قاطرة للنمو العالمي. الفارق هنا بين الهند والصين ربما كان سياسيا يتعلق بقدرات المجتمعات على تحجيم المرض، ودفع السكان إلى تلقي اللقاح عندما يكون متاحا. هذه العقدة وصلت إلينا في مصر التي اعتمدت في العام الماضي على ميزان دقيق ما بين مقاومة البلاء واستمرار المسيرة الاقتصادية، وكانت النتيجة إيجابية في الحالتين. وبينما يجري الاستنفار للتعامل مع عالم ما بعد الجائحة في شقه التنموي، تبدو المعلومات عن الحالة المصرية منذرة. وحينما تتحدث الدكتورة هالة زايد وزيرة الصحة عن نسبة الإحجام بين المواطنين وفيهم أطباء وعاملون في المجال الصحي فإن الحالة تكون مخيفة لأنها مهددة لحياة عدد كبير من البشر، ولأنها ستكون عقبة كبيرة أمام استمرار النمو الاقتصادي المصري. الواضح أن مسألة الإحجام هذه لا تخص مصر وحدها، وإنما هي سارية بنسب مختلفة في دول العالم كلها؛ وفي الأغلب أنها تعود إلى حزمة من الشكوك التي بدأت أولا منذ ظهور الفيروس وأسباب ظهوره؛ وثانيا مع نظرية المؤامرة التي بدأت مع البداية واستمرت حتى اللحظة الراهنة حول كل ما له علاقة بالفيروس؛ وثالثا إن التجارب علي اللقاحات لم تكن كافية، ولا أخذت الوقت المعروف في تجارب سابقة؛ ورابعا أن في الأمر سياسة إما أنها لوجود قوي شريرة تقود العالم إلي دمار، أو أن الحكومات لا تعرف كيف تدير المعركة. هذه الحجج كلها لا تسري لحسن الحظ على جميع المواطنين الذين وجدوا أن نسب الخطورة لا تزيد إطلاقا عن الخطورة التي قد يتعرض لها الإنسان في حياته اليومية، أو المخاطرة بحياته عندما تأتي العدوي أو بآلام المرض عندما تحدث الإصابة. لا توجد رغبة هنا في الحديث عن الأرقام الخاصة بالعدوي والإصابة، فالحقيقة أن هذه الأرقام من الصعب الحديث عن صحتها لا في مصر ولا في أي دولة أخري لأن المرض يأتي ويذهب أحيانا دون رصد، ولأنه في الرصد يختلط مع أمراض أخري، وعند الوفاة فإن هناك أسبابا لا تعد خاصة عند كبار السن. الرقم الوحيد القريب من الصحة هو الخاص بالوفاة حيث لا يوجد شيء نسبي ولأن له في التسجيل تقاليد ملتزمة نظرا لما للوفاة من جلل، ولما لها من آثار لها علاقة بالحياة والميراث والذكري. وحتى الآن فإن مقارنة أرقام الوفاة في مصر في عام ٢٠١٩ بالعام التالي ٢٠٢٠ لا تشير إلى وجود قفزة كبري Spike أو عظمي Surge. ولكن الأمر لن يكون مستبعدا إذا لم يتوافر الانضباط الكافي، ولم يبلغ اللقاح أكثر من نصف المصريين؛ وتصبح المسألة ببساطة هي إما نأخذ طريق الصين أو طريق الهند، وفي الحالة الأخيرة سوف يكون الثمن فادحا. تحقيق هذا الهدف بتلقي السكان للقاح جري التعامل معه في الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل والإمارات وغيرها من الدول الناجحة من خلال المثال الذي يبدأ بتلقي اللقاح علانية من قبل القادة السياسيين وكبار الأطباء والفنانين والعسكريين وأصحاب الشركات الكبرى وكل من يمثل قدوة أو مثالا يبعث على الثقة؛ ولا ينتهي باستمرار الضغط على أهمية أساليب الاحتراز المختلفة. في مصر الظواهر كلها، والأرقام المتاحة للوفيات، كلها تشير إلى معدلات أسرع مما تعودنا عليه، وكلها تعلن أن ما جري التحذير منه بقوة عن احتمالات الموجة الثالثة الخطيرة في مصر لم يتم الاستماع له، والملاحظ أن الإصابة لم تعد فردية وإنما في الأغلب تخص عائلات بأكملها. المطلوب الآن أن نعود إلى حالة من الطوارئ القومية التي لا تخص الإرهاب وحده، وإنما أيضا الإهمال في اتباع الأساليب الاحترازية المختلفة الشاملة في أماكن التجمع والمواصلات (الميكروباصات خاصة)، ويجب ألا ينتهي رمضان المعظم وعيد الفطر الكريم وأعياد القيامة العظيمة بأيام للألم والحزن والتراجع في أرقام التنمية القومية. لقد تم خلال العام الماضي من الجهد والعمل من جانب وزارة الصحة والجيش الطبي والمواطنين ما عبر بنا إلى موقع معقول وإيجابي في تصنيف مقاومة البلاء؛ ويجب الآن عدم التراجع عن هذه المكانة. تناولوا اللقاح بارك الله فيكم.

Rochen Web Hosting