رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

تيانانمين.. وأسئلة التاريخ

قسم : مقالات
الخميس, 10 يونيو 2021 14:08

يوم 4 يونيو 1989 اقتحمت قوات الجيش الصينى مظاهرات بكين التى اشتهرت باسم مظاهرات «تيانانمين» أو الميدان السماوى، وأصرت على فضّ اعتصامات الصينيين بالدبابات أمام العالم أجمع.

ما زلت أذكر صورة لصف الدبابات وهى تسير فى الشارع ويقف أمامها متحدياً شاب صينى كان يحمل أكياساً فى يده، أطلقوا عليه يومها رجل الدبابة! ألا يُذكرك الاسم بشىء ما؟ نعم ذات المشهد تكرر بالضبط فى شارع قصر العينى فى أحداث يناير 2011 وسُمى الشاب يومها «شاب المدرعة»! فى العام 1989 لم تكن ثورة المعلومات قد آلت لما أصبحت عليه الآن، ولكن كانت تلك الصورة عنواناً لنشرات الأخبار ومانشيتات الصحف فى كل العالم. تعاطفنا جميعاً مع الأحداث التى ألهبت أفكارنا بغضب من طريقة السلطات الصينية فى فضّ المظاهرات. ومرت السنوات التى تمكنا فيها من إعادة قراءة المشهد بصوره المتلاحقة لإمكانية الحكم عليه.

1978: شياوبيينج رئيس الحزب الشيوعى الصينى بعد وفاة الزعيم ماوتسى تونج، فى ظل معاناة الصين من مرحلة اقتصادية وسياسية شديدة الصعوبة كادت تودى بها فى أتون حرب أهلية، ليكون قراره الأعظم فى تاريخ الصين.. التطوير من داخل الحزب بما يناسب الصين لا بما يناسب من يعبث بتشكيل العالم، فكان قرار إدارة الاقتصاد الصينى عبر مؤسسة الحزب والحكومة بمنطق رأسمالى، وإدارة الحياة السياسية بمنطق شيوعى، والسماح ببعض الحريات، وإعلان العشرية 1980-1990 للغذاء والكساء لمليار و300 مليون صينى.

كان العالم يبدأ حقبة الثمانينات بمفهوم ضرب الخطر الأحمر «الشيوعية» والأخضر «الإسلام»، وكانت حروب المخابرات عاتية تعيد تشكيل ملامح الشرق الأوسط والأقصى، اندلاع حرب الخليج الأولى وإطلاق يد التيارات الإسلامية الطائفية فى أغسطس 1979، حرب أفغانستان والتدخل السوفيتى وتمدد تيارات التأسلم بدعم غربى أيضاً فى ديسمبر 1979، دعم ميليشيات مسلحة فى دول أمريكا اللاتينية كما حدث مع ميليشيا الكونترا فى نيكاراجوا. ربما أدركت الصين ما يحدث ولم تنخدع بما يُسحب له العالم. وعند اندلاع المظاهرات فى بكين من مثقفين وطلاب وعمال أيضاً فى أبريل 1989، سعى الحزب الشيوعى لفضّها والتفاهم، ولكن النار كانت تستعر وتقوى بمرور الوقت، بإعلام غربى لم يهدأ عن حديث الديمقراطية والحريات والدخل والاقتصاد... إلخ. حتى كان قرار فضّ المظاهرات يوم 4 يونيو 1989 بالقوة، لتنجو الصين من ربيع صينى ولتكون الدولة الوحيدة الناجية من التصفية، ففى نوفمبر 1989 انهار حائط برلين الذى قسم ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية إلى قسمين: واحد يتبع الاتحاد السوفيتى والآخر يتبع أمريكا.. لتتحد ألمانيا ثانية. وفى 1991 انهار الاتحاد السوفيتى نفسه وتحلل ودخل فى حروب داخلية سعت فيها جمهورياته للانفصال، تارة بدعوى رفض المركزية وأخرى بدعوى الإسلامية بدعم الناتو وذراعه تركيا كما فى الشيشان.

نعم.. حينما تستعيد المشهد تتأمل فى صور مجاميع الساعين إلى التحرر من كل قيد وهذا حق، ولكن ترى على الجانب الآخر صور مَن سعى لحماية مصير مليار و300 مليون نسمة من الفوضى والمزيد من التراجع وهذا أحق. ومعيارنا النتيجة لهذا العدد الذى صار اليوم يعيش فى دولة هى الاقتصاد الثانى على العالم وقوة يُحسب لها ألف حساب. للتاريخ حسابات أخرى.

Rochen Web Hosting