رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

العذراءُ المُطوَّبة.. وشمس الدين التبريزى

قسم : مقالات
الإثنين, 09 أغسطس 2021 12:30

 

اليومَ غُرة شهر محرم ١٤٤٣، رأس السنة الهجرية، كلّ عامٍ ومصرُ والعالمُ بخير. ويصوم أشقاؤنا المسيحيون هذه الأيام انتظارًا لعيد السيدة العذراء، عليها وعلى ابنها السلام، بعد أيام، فكلّ عام ومصرُ والعالمُ بخير. ولهاتين المناسبتين الطيبتين أقدمُ لكم هذا المقطع من كتاب «قواعدُ العشق الأربعون» للكاتبة «إيليف شافاك».

 

مرَّ شهرُ رمضان بسرعة. وحلّ عيدُ الفطر يوم الأحد، وبعد أربعة أيام، عقدنا قران «كيميا» على «شمس الدين التبريزى»، الدرويش الإسلامى المتصوف. ولكن فى الليلة التى سبقت الزفاف، حدث شىء غيّر مزاجى كله. كنتُ وحدى فى المطبخ، أجلس أمام لوح من الخشب مكسوّ بالطحين، لأعد للضيوف خبزًا مرقوقًا. وفجأة، ومن دون أن أفكر بما أفعله، بدأتُ أشكلُ من كُرة العجين صورةً لأمنا «مريم» العذراء. أمى مريم. ورحتُ أخطُّ بالسكين حوافّ عباءتها الطويلة، وملامح وجهها الهادئ الرحيم. ولما كنتُ مستغرقة فى ذلك، لم ألحظ أن شخصًا يقفُ خلفى ويرقب.

■ «ما الذى تفعلينه يا كيرا؟».

قفز قلبى داخل صدرى. وعندما التفتُّ رأيتُ «شمس الدين» يقفُ جوار الباب، ينظر إلىَّ بعينين يملؤهما الفضول والشغف. خطر لى أن أخفى قطعة العجين، لكن الأوان كان قد فات. اقترب شمس الدين من الصينية، ونظر إلى الشكل الذى صنعته. وسألنى:

■ «هل هذه العذراءُ مريم؟»، وعندما لم أُجب، التفت نحوى بوجه مشرق باسم، وقال: «إنها جميلة. هل تشتاقين إلى مريم؟»، لكن شمس الدين تابع كلامه كأنما لم يسمعنى، قائلًا: «لعلك تتساءلين لماذا لا يوجد فى الإسلام رمزٌ أنثوى مثل مريم؟ بالتأكيد توجد لدينا عائشة، وبالتأكيد هناك فاطمة، لكنكِ ربما تظنين أن الأمر مختلف».

شعرتُ بالارتباك، ولم أعرف ما أقول.

■ «هل لى أن أحكى لك قصة؟» سألنى «شمس»، وهذا ما حكاه لى:

«ذات يوم، كان هناك أربعة مسافرين: يونانى وعربى وفارسى وتركى. وعندما وصلوا إلى بلدة صغيرة، قرروا التوقف لتناول بعض الطعام. ولما لم يكن لديهم الكثير من النقود، كان أمام كلّ منهم خيار واحد من الأطعمة. وراح كل منهم يزعمُ أن طعام بلاده هو الأشهى فى العالم، ولهذا سوف يطلبه. وعندما سُئلوا عن أطعمتهم الوطنية، أجاب الفارسى: أنغور. وقال اليونانى: ستافاليون. وقال العربى: عنب. وقال التركى: أوزوم. ولم يستطع أحدهم فهم لغة الآخر، فأخذوا يتجادلون. وبدأوا فى الشجار. وكان شعورهم بالاستياء والمرارة يتزايد مع مرور كل دقيقة، حتى مرَّ بهم رجلٌ صوفىٌّ وقاطعهم. عرف القصة ووجد الحل.

جمعوا مبلغًا، اشترى الصوفىُّ به عنقودًا من العنب، ثم وضع حبات العنب فى وعاء وعصره. ثم طلب منهم أن يشربوا العصير ويلقوا القشر جانبًا. ثم أخبرهم أن اهتمامهم يجب أن ينصبَّ على لبِّ الثمرة وجوهرها، لا على قشرتها الخارجية».

وأكمل شمس الدين التبريزى الحكاية قائلًا: «هكذا، فإن المسيحيين واليهود والمسلمين يشبهون أولئك المسافرين، فبينما يتشاجرون حول الشكل الخارجى، كان الحكيمُ المتصوّفُ يبحث عن الجوهر». ختم شمس الدين القصة، ثم ابتسم ابتسامة تشى بالحماس، وقال:

■ «ما أريد قوله هو أنه لا يوجد سببٌ يجعلك تشتاقين إلى الأم مريم العذراء. لأنكِ يا (كيرا) يجب ألا تتخلى عنها أبدًا فى المقام الأول. أنتِ امرأةٌ مسلمة، ومع هذا فبإمكانك أن تظلى على ارتباطك الجميل مع السيدة العذراء».

■ «لا، لا أظن أن هذا الأمر لائق»، تلعثمت «كيرا» قائلة.

■ «لِمَ لا؟ الأديانُ كالأنهار، تصبُّ جميعُها فى البحر نفسه. وإذ ترمز الأمُّ مريم إلى الشفقة والرحمة والحب غير المشروط، فإنها رمزٌ للجميع. وكامرأة مسلمة، عليكِ الاستمرارُ فى حبها، وعلّكِ تسمين ابنتك مريم».

■ قلتُ: «لا توجد لدىَّ ابنة».

■ «ستكون لديكِ ابنة».

■ «أتظن ذلك؟».

■ «بل أنا أعرفُ ذلك».

شعرتُ بالإثارة عندما سمعت هذه الكلمات، ولكن سرعان ما تلاشت الإثارةُ وحلَّ محلها شعورٌ آخر: التضامن، فقد عشنا معًا لحظة غير عادية من الصفاء والانسجام، ونظرنا معًا إلى هيئة الأم مريم العذراء. رقَّ قلبى لشمس الدين التبريزى، وللمرة الأولى منذ قدومه من بغداد إلى بيتنا فى قونية، رأيتُ ما يراه فيه زوجى «جلال الدين الرومى». رأيتُ رجلًا ذا قلبٍ كبير وعقل ناضج.

■ ■ ■

«الدينُ لله والوطنُ لمَن يجمعُ شتاتَ الوطن».

twitter:@fatimaNaoot

 

Rochen Web Hosting