رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الربع الرابع!

قسم : مقالات
الجمعة, 10 سبتمبر 2021 10:41

 

ليس من المعتاد أن يركز المحللون على الأرقام والتطورات التي تجري في الاقتصاد القومي على أساس ربع العام، فالمقارنات تسير عادة بين عام وآخر. أما الأرباع الأربعة في العام فإنها صعبة المقارنة، لأنها ذات طبيعة موسمية، بمعني أنها مرتبطة بمواسم تصعد فيها أرقام أو تهبط، وحتى عند مقارنتها بالأعوام السابقة وهو ما يشير إلي ثبات طبيعة المنتجات في موسم بعينه، إلا أنه يغفل تأثيرات الطقس المتغيرة، كما أنه لا يسمح بالتوازن الطبيعي الذي يحققه القياس السنوي. بالطبع فإن المتخصصين يهتمون كثيرا بهذا النوع من التحليل، بل إنهم يقومون أيضا بالتحليلات الشهرية وما هو أقل من ذلك بغرض المتابعة لنبض وحالة الاقتصاد ونموه. وفي أحيان، كما أشرنا في مقال منشور في هذا المقام تحت عنوان (الفيمتو ثانية) عن نقل مراكب الشمس، فإن الأساس الزمني للتحليل يمكنه اتخاذ ما هو أقل من ذلك بكثير لقياس الإحكام والقدرة وربما الكمال.

ومع ذلك فإن الارتفاع الكبير الذي حققه الاقتصاد المصري خلال الربع الرابع من العام المالي ٢٠٢٠/٢٠٢١ الذي يشمل شهور أبريل ومايو ويونيو من العام الحالي يظل لافتا للنظر، مبشرا وداعيا للسرور، حيث كان معدل النمو فيه ٧٫٧٪ مقارنا بمعدل الربع الثالث ٢٫٩٪، وأخذا في الاعتبار ظروف أزمة الكورونا التي ظلت معنا للعام الثاني علي التوالي، في شهادة علي أن المجتمع الاقتصادي في مصر والذي يشمل كل المهتمين والمشاركين في العملية التنموية المصرية كلها، قد نجحوا في التعامل المتوازن مع الجائحة بحيث يقلل من آثارها السلبية من ناحية، ويدفع التنمية في اتجاه صعودي من ناحية أخري. في الأمر كله شهادة أن قوة الدفع التي جرت في الاقتصاد المصري منذ منتصف العقد الماضي قد حافظت علي تصاعدها رغم البلاء؛ وإذا كانت مصر قد حققت في العام السابق عليه معدلا للنمو قدره ٥٫٦٪، فإنه خلال العام الأول له (٢٠١٩ /٢٠٢٠) كان النمو ٣٫٦٪، وفي العام الثاني (٢٠٢٠/٢٠٢١) نجح في تحقيق ٣.٣٪. الآن وعلى ضوء نتائج الربع الرابع فإن التقدير المتوقع للعام الحالى (٢٠٢١/٢٠٢٢) وقدره ٥٫٥٪ لن يكون مبالغا بل إنه توجد فرصة مرجحة للعودة إلي معدل ما قبل الكورونا.

الاقتصاديون والمتخصصون المتمرسون لا يميلون إلى الاعتماد على معدلات النمو في الناتج القومي الإجمالي؛ ومؤخرا فإن هناك من يحاولون التشكيك في الناتج القومي الإجمالي ذاته، ويميلون إلي استخدام مؤشرات جديدة تتعلق بالسعادة أو الفاعلية أو الاستدامة كمعامل للتقدم والتغيير والمقارنة بين الدولة وذاتها بين وقت وآخر أو بين الدول في نفس السنوات. ولا توجد هنا نية للتساؤل عن كل ذلك فأهل الاقتصاد كما هو الحال مع أهل مكة فإنهم أدري بشعابهم؛ ولكن ما نود تأكيده هو أنه قد جرت في مصر عملية جبارة لتوفير قوة اندفاع كبيرة في عملية التنمية والتحديث والتقدم أخذت أشكال انتقال من النهر إلي البحر، ومن تأكيد تفادي الفقر إلي تراكم الثروة، ومؤخرا مد التنمية من الحضر إلي الريف في مشروع هائل من أجل الحياة الكريمة. هذه العملية تحتاج دائما إلى وقود دائم، وطاقة كبيرة، حتي يظل الاندفاع إلي الأمام مستداما. في لقاء قبل أسبوع للرئيس السيسي مع الطاقم الاقتصادي المصري وبعد استعراض مؤشرات الأداء الاقتصادي أكد ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص وزيادة حصته من الاستثمارات في الاقتصاد المصري. والحقيقة أنه لم تكن هذه هي المرة الأولي التي يثير فيها الرئيس هذه المسألة، وبالعودة إلي الماضي القريب فإن مثل ذلك أثير عند افتتاح مشروعات خاصة بالثروة السمكية والاستعداد لطرحها في السوق المالية، ثم جري الأمر ذاته عند افتتاح صوبات زراعية تسهم في تحقيق الاكتفاء الغذائي وزيادة الصادرات أيضا ومغرية لكثير من المستثمرين، وها هو يأتي الآن في ظل حديث آخر يتعلق بطرح الشركة الخاصة بالعاصمة الإدارية الجديدة للاستثمار الخاص.

لا أدري شخصيا عما إذا كانت هناك معرفة بنسبة القطاع الخاص بشكل عام في الاقتصاد القومي؛ وحتى يمكن المقارنة فإن معرفة نصيبه من عملية التنمية الجارية، ربما يقربنا من الإجابة عن المسافة التي علينا قطعها بين واقعنا الحالي والهدف المرجو الذي حدده الرئيس. من المعلوم أن هناك معضلة معرفية فيما يخص القطاع الخاص في مصر تتعلق بالاقتصاد غير الرسمي، وهو خاص في مجمله، والذي تتراوح التقديرات في شأنه بين ٣٥٪ و٦٠٪. وحينما تكون الأرقام مفارقة بهذا القدر فإن فائدتها سواء للتحليل أو للقرار تقل إلى حد كبير. ولكن ما يهمنا هنا هو الرسالة الأساسية التي تشير إلي الأهمية البالغة لمساهمة القطاع الخاص في دعم عملية التنمية الجارية والحفاظ علي قدرتها علي أخذ المجتمع كله إلي الأمام. القضية لم تعد كما كان سائدا في أزمنة قديمة الحديث عن المشروعات التي تمثل قاطرة جبارة تأخذ المجتمع كله مثل عربات القطار إلي الرجاء المطلوب. الآن فإن العملية التنموية باتت مثل المفاعل النووي الذي يولد طاقة جبارة وهائلة تبث في أوصال المجتمع حضرا وريفا، وبرا وبحرا، وفي الاتجاهات الأربعة للشمال (الدلتا وساحل المتوسط) والجنوب (الصعيد) والشرق (سيناء والبحر الأحمر وقناة السويس) والغرب (الوادي الجديد والدلتا الجديدة وتوشكي). هذا المفاعل لابد من تغذيته دائما بوقود طاقات جديدة، ورأسمال مستجد، وإذا كان الحديث يقودنا الآن إلي القطاع الخاص والمشروعات الصغيرة والمتوسطة اللذين طال الحديث عنهما دون أن نعرف كثيرا عما وصل إليه الحديث، فإنه سوف يقودنا أيضا إلي مصادر أخري يوجد فيها المحليات وإصلاح القطاع العام.

الحديث عن تنمية مصر لا ينتهي.

 

Rochen Web Hosting