رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

استراتيجية حقوق الإنسان.. ما هى؟

قسم : مقالات
الخميس, 23 سبتمبر 2021 12:23

 

 

«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، التى تم إطلاقها منذ عشرة أيام بحضور السيد رئيس الجمهورية، تعبر عن منظور الدولة لملف حقوق الإنسان فى مصر، وما تنوى القيام به خلال السنوات الخمس القادمة (حتى سبتمبر ٢٠٢٦) لتحسينه، والرؤية التى تقدمها للعالم بشأنه. وقد استغرق إعداد الاستراتيجية ثلاث سنوات منذ تشكيل «اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان» فى سبتمبر ٢٠١٨، وبإدارة وتنسيق وزارة الخارجية. وخلال هذه الفترة- ووفقًا لما جاء فى مقدمة الاستراتيجية- اطلعت اللجنة على الوضع المصرى، وعلى تجارب الدول الأخرى، وحددت أولويات للإصلاح، وتشاورت مع جهات مختلفة فى الدولة والمجتمع المدنى، وشكلت لجنة استشارية من المثقفين والخبراء، ثم قامت بصياغة وإصدار الاستراتيجية فى ٧٨ صفحة.

ولأهمية الموضوع الذى تتناوله، أرى ضرورة التطرق أولًا لاستعراض مضمونها وطبيعتها القانونية، تاركًا التعرض لها بالتقييم والتحليل إلى مقالات تالية.

وثيقة استراتيجية حقوق الإنسان تبدأ بمقدمة تعبر عن الهدف من إصدارها وهو «النهوض بكافة حقوق الإنسان فى مصر» استنادًا إلى الدستور، والتزامات مصر الدولية، ورؤية مصر ٢٠٣٠. ثم تتناول الوثيقة المبادئ الرئيسية التى تستند إليها لحماية الحريات والمساواة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية. بعد ذلك تتطرق لما تعتبره التحديات الرئيسية أمام تعزيز حقوق الإنسان فى مصر، وهى: (١) ضعف ثقافة حقوق الإنسان، (٢) ضعف المشاركة فى النشاط السياسى والأهلى، (٣) تحديات التنمية الاقتصادية، (٤) خطر الإرهاب.

بعد ذلك تحدد الاستراتيجية ثلاثة مسارات للتنفيذ، وهى المسار التشريعى، والمسار المؤسسى، ومسار التوعية والتثقيف. وأخيرًا يتناول الجزء التمهيدى تحديد محاور العمل الأربعة، وهى: (١) الحقوق المدنية والسياسية، (٢) الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، (٣) المرأة والطفل وذوو الإعاقة والشباب وكبار السن، وأخيرًا (٤) التثقيف وبناء الإنسان.

وبعد هذه المقدمات، تتناول الاستراتيجية كلًا من المحاور السابقة بمزيد من التفصيل، فيتضمن محور الحقوق المدنية والسياسية تناولًا لحقوق الحرية والسلامة الجسدية، والحرية الشخصية، والمحاكمة العادلة، والمعاملة العادلة للسجناء، والتعبير، والتجمع السلمى، والتنظيم، والعقيدة، والخصوصية. أما محور الحقوق الاقتصادية فيتضمن حقوق الصحة، والتعليم، والعمل، والضمان الاجتماعى، والغذاء، ومياه الشرب والصرف الصحى، والسكن اللائق، والثقافة. وهذان المحوران يمثلان الجزء الأكبر والأساسى من الاستراتيجية.

وبالنسبة لكل من العناوين المذكورة، تستخدم الاستراتيجية منهجية موحدة، وهى تحديد نقاط القوة والفرص (بمعنى ما يوجد بالفعل من ضمانات دستورية أو ممارسات إيجابية)، ثم تحديد التحديات (أوجه القصور)، وأخيرًا اقتراح النتائج المستهدفة (أى ما يلزم القيام به، سواء تشريعيًا أم تنفيذيًا لتحقيق التقدم المنشود). على سبيل المثال، بالنسبة لحق الحرية الشخصية فإن الاستراتيجية تُوصى بوضع إطار للضوابط والمبررات الخاصة بالحبس الاحتياطى، واستخدام بدائل تكنولوجية له، ووضع نظام مغاير لحبس الأطفال، ومراجعة القوانين التى تقضى بالحبس الوجوبى. أما فى مجال حق التقاضى والمحاكمة العادلة فإن الاستراتيجية توصى بصدور قانون استئناف الأحكام الجنائية، والحد من الدعاوى فى المحاكم، وميكنة إجراءات التقاضى، وتطوير نظم تنفيذ الأحكام، وصدور قانون لحماية الشهود، وحصر اختصاص محاكم الطوارئ.

هذا عن وصف الاستراتيجية واستعراض محتواها ومنهجيتها. ولكن ماذا عن طبيعتها القانونية؟ هل لها قوة إلزامية محليًا أو دوليًا، أم أنها مجرد وثيقة سياسية وليس لها أثر قانونى مُلزم؟

فى تقديرى أن الاستراتيجية ليست أداة قانونية مُلزمة، وليس لها أثر مباشر على المواضيع العديدة التى تتناولها، وهى ليست أيضًا برنامجًا حكوميًا معتمدًا لأنها لم تُعرض على البرلمان للمناقشة، ولم يصدر بها التزام حكومى، كما أن طبيعة اللجنة التى أصدرتها استشارية وليست تنفيذية. مع ذلك فإن الوثيقة يظل لها- فى اعتقادى- ثلاثة آثار مهمة: الأول أنها مرتبطة بالدستور، ويمكن اعتبارها من الأعمال المكملة له، والرجوع إليها فى المطالبة باحترام الحقوق والضمانات الدستورية، والثانى أنها تخاطب المجتمع الدولى وتمثل التزامًا سياسيًا ومعنويًا من جانبنا تجاه العالم، أما الثالث فهو أنها تعبر عن اعتراف الدولة بأن ملف حقوق الإنسان فى مصر ليس مقبولًا على حالته الراهنة وبحاجة لإصلاح واسع وعاجل.

وأكتفى بهذا القدر من الوصف للوثيقة ولطبيعتها القانونية، تاركًا التعليق على مضمونها وعلى الواقع العملى الذى تخاطبه لمناسبة تالية.

 

Rochen Web Hosting