رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

استراتيجية حقوق الإنسان مواطن القوة والضعف+

قسم : مقالات
الخميس, 30 سبتمبر 2021 18:11

استعرضت الأسبوع الماضى «الاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان» التى جرى إطلاقها يوم 12 سبتمبر، وما تضمنته من ملفات وبنود ومقترحات.. وأتطرق اليوم لما أرى أنها مواطن القوة والضعف فيها.

ولنبدأ بمواطن الضعف، وهى من وجهة نظرى ثلاثة:

الأول أن الاستراتيجية ترتكز على افتراض أن التحديات الرئيسية التى تواجه تعزيز وحماية حقوق الإنسان فى مصر هى - وبالترتيب التالى - (١) ضعف ثقافة حقوق الإنسان، (٢) الحاجة لتعزيز المشاركة فى الشأن العام نظرًا لـ «ضعف التواجد المجتمعى الفعال للأحزاب السياسية وعدم انخراط الشباب فى العمل الحزبى والحاجة إلى زيادة فاعلية القنوات المؤسسية للتشاور مع منظمات المجتمع المدنى»، (٣) تحديات التنمية الاقتصادية، (٤) وأخيرًا، تحديات الإرهاب والاضطراب الإقليمى.

وهذه نقطة ضعف، لأنه بينما لا خلاف على أن الوضع الاقتصادى وخطر الإرهاب تحديان هائلان لا يجوز الاستهانة بهما، فإن اعتبار ضعف الثقافة وضعف المشاركة السياسية أهم تحديين يواجهان حقوق الإنسان فى مصر ليس سليمًا، لأن السبب وراء الأمرين هو القوانين المقيدة والسياسات التى تحد من مشاركة الشباب فى العمل الحزبى والأهلى، وهذه عوائق تملك الدولة - إذا شاءت - أن تخفف منها أو تزيلها بدلا من اعتبارها عوامل مستقلة مفروضة علينا.

أما نقطة الضعف الثانية فهى أن الاستراتيجية فى بعض المواضيع المهمة تقترح إصلاح الأثر الثانوى وليس العائق الأصلى أو الأساسى. ونأخذ هنا مثال الحبس الاحتياطى، حيث تناولت الاستراتيجية هذا الموضوع بكثير من الاهتمام والتفصيل، وانتهت بتوصيات بالحد من الإفراط فى الحبس الاحتياطى. وهذا فى حد ذاته جيد بلا شك. ولكن كان الأجدر أن تتطرق قبل ذلك للقوانين المخالفة للدستور التى فرضت مناخا عقابيا شديد الاتساع، وأن توصى بمراجعة الجرائم والعقوبات الأصلية الواردة فيها بدلا من التركيز على الإجراءات الاحترازية المرتبطة بها مثل الحبس الاحتياطى.

وأخيرًا، يتبقى الإشارة لنقطة الضعف الثالثة وهى الفجوة الواقعة بين ما جاء بالاستراتيجية من توجهات جيدة ومقترحات مهمة وبين الواقع العملى، وكان يلزم تناول الأوضاع الراهنة بقدر أكبر من الصراحة، وباقتراح برنامج زمنى لتنفيذ الإصلاحات المنشودة حتى يطمئن المجتمع إلى أن هذه الفجوة جار إغلاقها ولو تدريجيًا.

أما عن نقاط القوة، فإن على رأسها صدور الاستراتيجية الوطنية. وبالرغم مما وضحته فى مقال الأسبوع الماضى من أنها ليست وثيقة قانونية ملزمة، إلا أنها تعبر مع ذلك عن التزامين «أدبى وسياسى» من جانب الدولة، وعن التوجه الذى تنوى أن تسلكه، وعلينا من جانبنا أن نتمسك بها ونطالب بتفعيل ما جاء بها باعتبارها من الأعمال المرجعية المكملة للدستور.

كذلك فإن صدور الاستراتيجية جاء فى توقيت وإطار يبدو منهما أن الدولة مستعدة للتقدم تدريجيا فى مجال حقوق الإنسان. وهناك بالفعل بوادر وخطوات إيجابية أشارت الاستراتيجية إلى بعضها، بما فى ذلك صدور القانون الجديد للجمعيات الأهلية، وحفظ التحقيقات مع معظم من كانوا متهمين بمخالفة القانون السابق، والإفراج عن عدد من سجناء الرأى، واتساع نسبى لمجال الحوار فى وسائل الإعلام.

هذه البوادر والخطوات الإيجابية ليست كافية، ولا صدور الاستراتيجية الوطنية فى حد ذاته يعبر عن التقدم المنشود. ولكن إن كانت هذه خطوات سوف تلحقها مبادرات وقرارات أخرى فى نفس الاتجاه، فإننا قد نكون على أعتاب بدء إصلاح سياسى تحتاجه مصر، لا من أجل إرضاء دول أجنبية ومنظمات دولية، بل لمصلحتنا الوطنية، ولإطلاق طاقات المجتمع والشباب المتحمس للمشاركة فى التغيير وفى البناء وفى صنع مستقبل وطنه، وهذا لو تحقق يكون مكسبا كبيرا للجميع، حكومةً وأهالى.

 

Rochen Web Hosting