رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

أدبيات رئيس

قسم : مقالات
السبت, 16 أكتوبر 2021 15:06

لا أنسى عبارة محمود السعدنى حينما قال لنا نحن الشبان الصحفيين الصغار، وربما المتدربين: «ماتقدرش تبص فى عنين عبدالناصر!». ولم أتحمس للعبارة مهما بلغت قوة شخصية الحاكم ومهما كانت كاريزمته!.

 

وظنى أن الحاكم إنسان، ولكن الإعلام يخلق له «هالة»، ويحوله من الإنسان العادى إلى السوبرمان!. وظنى أيضًا أن إنسانية الحاكم تجعل عينيه ذلك المرفأ والمرسى والشاطئ. كان تشرشل يقول إن رجل السياسة إنسان أُضيفت عليه لوغاريتمات معقدة اسمها السياسة. وكان كسنجر يرى أن الهالة المفترضة حول الرجل العام تخصم من إنسانيته!.

لكن عبارة السعدنى ظلت فى رأسى، وخصمت- بصراحة- الكثير من إنسانية ناصر التى لم «نلمسها»!.

وأنا عشت زمن محمد نجيب، وكنت أراه رجلًا طيبًا يحمل توقيع الزمن، وابتسامته تعلن عن طيبته. كنت أهلل له وأنا بعد صبى. وأقول علنًا أمام أصحابى «الرئيس الطيب»، وظللت أحفظ عبارة ناصر الدين النشاشيبى: «عجيب أمر شعب يهلل لمَن أتى بالنكسة ويقتل صانع السلام»!!.

ولم أجرؤ على ترديد عبارة النشاشيبى أمام عتاة الناصرية.. ومرة قلت العبارة بجرأة أمام هيكل، فوصف النشاشيبى بأنه «مغرض»!. ويوم نفى «عبدالناصر» «اللواء محمد نجيب» فى بيت مهجور فى ضاحية المرج، بكيت بنحيب مسموع!.

ومرت سنوات طويلة وابتلع النسيان ما جرى لمحمد نجيب، وربما طُمست سيرته. حتى جاء رئيس اسمه عبدالفتاح السيسى، أستطيع أن أنظر فى عينيه وأشعر بالطمأنينة، ويملك الرجل كل مقومات العسكرية وأكثر. منحه الله كاريزما الصفاء النفسى، فهو لا يحقد على أحد. ولكنه كإنسان يحب ويكره.

ولأنه «ضابط صاحب قرار» أعاد لمحمد نجيب الاعتبار، وجعل من اسمه اسم قاعدة عسكرية مصرية. تأملنا الموقف، فوجدنا السيسى الإنسان داخل العسكرى، ولما أعاد الاعتبار للضابط يوسف صديق، أحد رجال الثورة، الذى طاله التجاهل والنسيان، أدركنا بما لا يقبل الشك أنها أدبيات رئيس لا ينسى فضل مَن أعطوا مصر.

إنها أدبيات لا تنفصل عن صاحبها، ولها دلالة أن صاحبها «حقّانى»، وأن صاحبها يكره الظلم وينتشل مَن يظن الناس أنهم دخلوا ملف النسيان، فعل السيسى فى حكاية محمد نجيب وهو يعلم أن دراويش الناصرية ضد هذا الإجراء، لكن السيسى يخاطب التاريخ. وفى قصة الضابط يوسف صديق خاطب تفاصيل التاريخ وأعاد له الاعتبار، وظهرت ليلى يوسف صديق على المسرح تشكر الرئيس السيسى. إنها لم تشكره على حسن ذاكرته.. لا «والله» كما يردد فى أحاديثه العفوية.. إن تفاصيل التاريخ باقية رغم عواصف النسيان التى تطيح بأحداث كثيرة.. لكن عبدالفتاح السيسى قد «ذاكر» جيدًا تاريخ مصر ويلم بتفاصيله ويعرف تفاصيل التفاصيل.

ويوم ذكر مقالات د. ميلاد حنا «الأعمدة السبعة»، كان كقارئ يعيد الاعتبار لمهندس دلف إلى عالم الكتابة وبقى محتوى المقالات فى عقل السيسى. القيمة أن ميلاد حنا كتب المقالات بروح التجرد والانتماء. وحين يتكلم الرئيس عنها ويجيد عناوين المقالات، فمن أدبياته- وهى غير مسبوقة- أن يذكرها، بل يُذكِّرنا بها، وقد صفقت طويلًا للرئيس القارئ. الرئيس يتابع سطور الكتاب لأنها عنده فى أدبياته «تخاطب الرأى العام».

من أدبيات الرئيس أنه يعاون أى سيدة عجوز على الحركة، ويداعب أطفال الشهداء بلطف بلا حدود، ويقوم من مكانه ليصافح عسكريًا مرموقًا «الفريق عبدرب النبى حافظ» من مواليد يوليو ١٩٣٠، وردد «أهلًا وسهلًا، أهلًا وسهلًا»، قدمه كأحد أبطال حرب أكتوبر، وظل واقفًا حتى جلس الفريق.

وتتجلى أدبيات الرئيس فى أدبه الجم واحترامه للآخر، إنه بالحس الشعبى «يجبر بخاطره».

ثم المشهد الراقى النبيل بين الرئيس وقائد كتيبته اللواء سمير فرج، الذى أفصح الرئيس عن أن اللواء سمير كان قائد كتيبته. وعندما يسترسل سمير فرج ويقول: «أنا لما كنت مع حضرتك».

يقاطعه الرئيس ويقول: لا. لا. أنا اللى كنت مع حضرتك.

وقال سمير فرج: حضرتك اتخذت قرار وأنت ملازم ٢٢ سنة.

وتابع سمير فرج: اللى بتعمله كوم وانتشالك مصر من الإخوان كوم آخر.

ويقول الرئيس: أنا ماقلتش قبل كده إن اللواء سمير كان قائد كتيبتى.

إنها أدبيات رئيس محصن ضد النفاق.

وأدبيات السيسى وقلبه العطوف وعيناه اللتان قد تخذلهما دموعه وهو يسمع شيئًا يتأثر به أو يشهد موقفًا تكحل بالشجن.

أدبيات رئيس نراها مُطبَّقة عمليًا.

أدبيات رئيس هى أحد مكونات شخصيته.

أدبيات رئيس لا يمنع أنه حاسم حسم السنين «ولكل مشكلة عنده حل» كما قال قائد كتيبته وهو ملازم.

أدبيات رجل عسكرى لم يعرف الغرور. جاء يربت بكف حنان فوق ظهور المصريين ويعيد الاعتبار لمَن بنى طوبة فى إنجاز كبير.

 

Rochen Web Hosting