رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

تحية لمهرجان الجونة السينمائى

قسم : مقالات
الجمعة, 29 أكتوبر 2021 10:23

 

 

نجح سميح ساويرس فى إنشاء مدينة متكاملة على شاطئ البحر الأحمر، وأصبح لها طابع خاص بها، فهى مشتى ومصيف، وبها عدة فنادق من مختلف المستويات وعدد كبير من المنازل، ولا توجد لها أسوار تحجب جزءًا عن الآخر، وبها مدارس وجامعة ومستشفى متكامل ومطار، ويعيش فيها البعض بصفة دائمة، والكثيرون يقضون أوقاتًا طويلة أو قصيرة حسب الظروف. وكانت الجونة مكانًا جذابًا للسياحة العالمية، خاصة من أوروبا، ومصدر رزق لمئات العاملين من المصريين، معظمهم من صعيد مصر الفقير الذى يحتاج أهله العمل. وقد سهّلت الوصول إليها الطرق السريعة خارج المدن التى أقامتها الدولة، فأصبحت المسافة تُقطع فى أقل من خمس ساعات بالسيارة، وفى ساعة بالطائرة، ومنذ خمس سنوات قررت الجونة البدء فى مهرجان الجونة السينمائى، الذى تم بطريقة احترافية مع خبير المهرجانات السينمائية، الأستاذ انتشال، ومساعده المخرج اللامع أمير رمسيس. ومنذ العام الأول نجح المهرجان وبدأ يضع نفسه على خريطة مهرجانات الشرق الأوسط. مصر لها تاريخ طويل فى مهرجانات السينما، منها مهرجانات القاهرة والإسكندرية والأقصر وأسوان وغيرها، وكان مهرجان الجونة إضافة متميزة إليها.

مصر تستحق مهرجانات قوية وناجحة، وإسهام القطاع الخاص يُثرى الثقافة السينمائية ويشجع على السياحة. مهرجان الجونة بدأ يلفت أنظار قطاعات واسعة من الشعب المصرى، خاصة أن نجوم السينما من المصريين، وخصوصًا الممثلات، كانوا يرتدون ملابس لافتة للنظر بتصميماتها وألوانها وأشكالها غير المعتادة بالنسبة للجمهور المصرى، ولكنه أمر طبيعى فى المهرجانات العالمية، وكان ذلك مثار تعليقات إيجابية وسلبية، ولكن فى مجملها أثارت الانتباه إلى المهرجان.

الأمر المهم فى أى مهرجان سينمائى هو نوعية الأفلام المعروضة فى المسابقات المختلفة، ومن المعروف أن هناك نوعية من الأفلام المهمة والتجريبية تكسب جوائز وتحقق نجاحات كبيرة فى المهرجانات، ولكنها لا تحقق نجاحًا تجاريًا كبيرًا. وفى معظم المهرجانات العالمية هناك لجان تحكيم متميزة وعندها خبرة ومعروف عنها الحياد. وبالطبع فى الفن عمومًا من موسيقى ورواية وفيلم ولوحة لا توجد قواعد صارمة لتقييم هذه الأعمال، وهناك العامل الشخصى، فما يعجب محكمًا أو فنانًا قد لا يلاقى نفس الإعجاب من محكم أو فنان آخر. وهذا بخلاف الفروع العلمية مثل الطب والكيمياء والطبيعة، حيث توجد قواعد تضع فروقًا بين عمل وآخر.

لم أشاهد مهرجان الجونة هذا العام بسبب حضورى مؤتمرًا طبيًا فى أمريكا. كان المهرجان هذا العام مختلفًا، فقد تابعته مصر كلها بسبب بعض الأحداث غير المتوقعة. كان الحدث الأول هو حادث حريق كبير فى جزء من مقر المهرجان. وظهرت الكفاءة البالغة فى السيطرة على الحريق، ثم سابق العاملون الزمن فى إصلاح المكان وإعداده، بحيث بدأ المهرجان بأبهى صورة فى نفس المكان بدون تأخير، وشعر الجميع بالخبرة ووجود خطة محكمة للتعامل مع المفاجآت، وكان هذا خبرًا سعيدًا للجميع.

ثم كان الجزء الثانى غير المتوقع هو ما حدث مع الفيلم المصرى «ريش»، الذى كان الجميع فى انتظار مشاهدته لأن هذا الفيلم حقق لمصر مكسبًا كبيرًا منذ حوالى نصف العام بأن حاز جائزة النقاد، وهى جائزة لم يسبق لمصر أن حصلت عليها من قبل حتى فى عصر السينما المصرية الذهبى. المخرج الشاب عمر الزهيرى بذل مجهودًا كبيرًا فى هذا الفيلم مع ممثلين هواة انتقاهم من قرية البرشا من ملوى فى صعيد مصر.

كانت المفاجأة هى خروج مجموعة من الممثلين المصريين من وسط الفيلم بطريقة قيل إنها كانت استعراضية للفت الأنظار، وأدلى بعضهم بتصريحات تتهم الفيلم بالإساءة إلى مصر بالرغم من أنه لم يكمل مشاهدته.

بالطبع من حق أى إنسان ألّا يُعجب بأى فيلم، وكثير منّا لم يكمل مشاهدة فيلم لأنه شعر بالملل أو أن الفيلم لا يستحق تضييع وقت فى مشاهدته، ومن حق أى إنسان أن ينتقد الفيلم فنيًا ويبين أسبابه. المشكلة هى أن الطريقة الاستعراضية لخروج الممثلين كانت مستفزة لمشاعر المصريين، الذين كانوا سعداء بأن فاز أحد الأفلام المصرية بجائزة عالمية.

وبالنسبة للأمر الثانى، وهو القول بأن هذا الفيلم مسىء إلى مصر، لا أعتقد أنه يمكن أن يكون هناك فيلم مسىء إلى مصر، وإنما يكون الفيلم مسيئًا إلى مخرجه أساسًا وممثليه أحيانًا لأن مصر الوطن أكبر من أن يسىء إليها فيلم أو أغنية.

والأمر الثالث هو القول بأن الفيلم صوّر مناظر الفقر، والحقيقة أن هذا أمر غريب لأن مظاهر الفقر صُورت فى أعظم أفلام السينما الإيطالية فى الأربعينيات، وكل أفلام الدنيا، وفيها الأمريكية، تصور حال الفقراء، ولا أحد ينكر أن مصر فيها 23% تحت خط الفقر، ونسبة منهم تحت خط الفقر المدقع. وحاول البعض تحويل عمل فنى إنسانى إلى قضية سياسية، وهو أمر استهجنه الجميع.

النهاية أن ذلك أدى إلى معرفة الشعب بأجمعه باسم الفيلم واسم المخرج الشاب وكذلك «الست دميانة»، بطلة الفيلم.

وفى النهاية فاز الفيلم بجائزة أحسن فيلم مصرى، ونحن فى انتظار عرضه تجاريًا حتى تتسنى للمصريين جميعًا مشاهدته.

مهرجانات السينما فى العالم كله هى فرصة ذهبية للتعرف على الاتجاهات الجديدة فى السينما وانتشار الثقافة السينمائية، وهناك جانب تجارى، فالمنتجون يسوقون لأفلامهم. المهرجانات الكبرى فى العالم تُقام فى أماكن صغيرة وليس فى العواصم الكبيرة، مكان مثل الجونة مثالى لأن الجميع يذهبون إلى السينما سيرًا على الأقدام أو بالـ«توك توك» ويستطيعون مشاهدة عدة أفلام فى يوم واحد.

وقد أُعلن عن مهرجان آخر للموسيقى سوف يُقام فى نهاية الربيع فى الجونة ينظمه نجيب ساويرس، وهذه إضافة ممتازة للثقافة الموسيقية. المهرجانات الفنية فى مصر تعيد إلى مصر وجهها الحقيقى وروحها المرحة وتشجع السياحة وتعيد القوى الناعمة المصرية لقيادتها الفنون. وأدعو إلى تكوين فرق مسرحية وموسيقية صغيرة تطوف بالمدن الصغيرة والقرى لأن ذلك سوف يساعد على خروج مصر من الأفكار القاتمة التى قد تقود إلى الإرهاب.

مبروك لمهرجان الجونة ونتمنى نجاحًا أكبر فى العام القادم.

قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.

 

Rochen Web Hosting