رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

من المسؤول عن الاستثمار فى مصر؟

قسم : مقالات
الخميس, 25 نوفمبر 2021 12:28

فى أول طريق صلاح سالم، بين أرض المعارض ومستشفى العباسية، يقع مبنى حديث وجميل وذو هيبة، تشغله الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، الهيئة التى أعتز برئاستها لثلاث سنوات (٢٠٠٤/ ٢٠٠٧)، والتى مازلت أعتبرها أجمل وأفضل سنوات عملى بصحبة مجموعة متميزة من الزميلات والزملاء.

 

وهيئة الاستثمار - كما يدل اسمها - هى الجهة الحكومية المعنية بجذب الاستثمار المحلى والأجنبى والعمل على تحسين مناخه، وعن تأسيس شركات الأموال وشركات الاستثمار، وعن تقديم خدمات ما بعد التأسيس، بالإضافة إلى اختصاصها بإنشاء وإدارة المناطق الحرة.

ولكن.. هل هذا يعنى أن الهيئة هى المسؤولة عن حجم الاستثمار الوارد إلى البلد، أو عن التحسن أو التدهور الذى يصيب مناخ الاستثمار، أو عن ترتيب مصر فى المؤشرات الدولية للقيام بالأعمال؟.

لا أظن ذلك. فالهيئة، منذ إنشائها فى مطلع السبعينيات من القرن الماضى، نافذة كاشفة ومعبرة عن التوجه العام للدولة حيال الاستثمار والمستثمرين، وهى تقوم بدورها فى حدود ما تمنحه لها أجهزة الدولة ووزاراتها وهيئاتها من مساندة وصلاحيات، وتحقق النجاح كما تواجه الصعوبات والتحديات نيابة عن البلد بأكمله.

من المسؤول إذن عن الاستثمار فى مصر؟

إن كان المقصود بالسؤال هو من المسؤول عن استقبال المستثمرين وتأسيس مشروعاتهم ومتابعة أنشطتهم والاستماع لمشاكلهم وبذل الجهد لحلها، فإن الإجابة هى هيئة الاستثمار التى تقوم بهذه المهام بكل الإخلاص والنشاط، كما أن قيادتها الحالية تبذل جهدا هائلا فى الاستجابة للمستثمرين والتواصل معهم، ويدير هذه المنظومة المستشار/ محمد عبدالوهاب الذى يتحلى بهدوء ونشاط وحكمة يُحسد عليهم.

أما إن كان المقصود بالسؤال هو: من المسؤول عن حالة الاستثمار عموما فى مصر، والمناخ المحيط به، وعن تراجع معدلات الاستثمار فى السنوات الأخيرة، فإن الإجابة أن هذه مسؤولية الدولة كلها، لأن هذا إطار يتجاوز عمل هيئة أو وزارة بعينها. فمناخ الاستثمار يعبر عن المحصلة الشاملة لأداء كافة الوزارات والمصالح الحكومية: الصناعة، والزراعة، والسياحة، والجمارك، والضرائب، والمجتمعات العمرانية، وجهات الرقابة المالية، والقضاء، بالإضافة لجهات التفتيش من تموين، وصحة، وعمل، وتأمينات اجتماعية، ومرافق.. وغيرها. وإن لم ينتظمها توجه واحد وسياسات واحدة لدعم الاستثمار ومساندة المستثمرين، فإن النتيجة حتما ستؤدى إلى العرقلة والبيروقراطية على نحو ما يلمسه المستثمرون ويدفعهم للتردد والتوجس ثم الانسحاب من الساحة.

وقد مررنا فى مصر بتجارب عديدة، واختبرنا أشكالًا مختلفة للتنسيق بين الجهات الحكومية المؤثرة فى الاستثمار، بعضها نجح وبعضها كان فاشلا.

فى الثمانينيات والتسعينيات، كانت الهيئة نفسها جهة تنسيق عليا، ويشارك فى مجلس إدارتها الوزراء المعنيون، بل يترأس المجلس أحيانا رئيس الجمهورية. وهذه تجربة نجحت طالما كانت المشروعات الاستثمارية قليلة للغاية، فلما كثرت وتنوعت لم يعد هذا النظام المركزى صالحا. وفى عام ٢٠٠٤ أنشئت لأول مرة وزارة للاستثمار فصارت الهيئة تتبعها، وكانت (فى تقديرى غير المحايد!) تجربة ناجحة، لأنه جرى اعتماد تقسيم للعمل بينهما، بأن تكون الوزارة مسؤولة عن وضع سياسات الاستثمار والتنسيق فيها مع باقى الوزارات وأجهزة الدولة، بينما تقوم الهيئة بالعمل التنفيذى اللازم لوضع هذه السياسات موضع التطبيق.. ولكن بدءا من عام ٢٠١٥ تعدل القانون وترتب عليه جعل وزير الاستثمار رئيسًا لمجلس إدارة الهيئة، ثم مؤخرا إلغاء وزارة الاستثمار وتكليف السيد رئيس مجلس الوزراء بها.

القضية مع ذلك ليست مجرد المقارنة بين الأشكال القانونية والمؤسسية، بل وضع إطار يضمن تحقيق هدفين محددين: الأول هو التحقق من أن رسم السياسات الاستثمارية العامة يتم على مستوى الحكومة بأكملها وبوعى وتنسيق بين مختلف المصالح والاعتبارات وبمشاركة واقتناع كل الجهات المعنية بالتوجه المعلن. أما الهدف الثانى فهو تمكين الهيئة من ممارسة دورها التنفيذى كاملا ومنحها الفاعلية والصلاحيات اللازمة للتعامل مع متطلبات المستثمرين ومشاكلهم.

عندئذ فقط تكون المسؤولية واضحة، والنتائج معبرة عن الجهد المبذول وراءها.

 

Rochen Web Hosting