رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

أهوال ما حدث للفلاحين فى أوروبا (2-3)

قسم : مقالات
الأربعاء, 16 فبراير 2022 09:35

كتب عبد الحميد محمد، المولود عام 1893، من عائلة فقيرة، أنه تعلم القراءة والكتابة فى الكُتّاب، والتحق بفيلق العمال فى أوروبا، فكتب ثلاث صفحات ونصف الصفحة عن تجربته، نُشرت فى روزاليوسف بعد حرب 1967. أما الشخصية الأخرى، شاب إنجليزى من مواليد 1890، خدم كضابط فى فيلق العمال المصرى واسمه Venables فينابلز، وكتب مئات الصفحات والخطابات تصف ما يحدث، وهى محفوظة فى متحف الحرب البريطانى.

 

وكانت كتابات الصحفيين والضباط الإنجليز توضح العنصرية الشديدة والنظرة الدونية.

وقد وقّع الضباط عقوبات بدنية على الفلاحين لأتفه الأسباب وعاملوهم بقسوة وعنصرية باعتبارهم جنسًا أقل قدرًا. وفى فرنسا لم يُسمح للعمال المصريين بالخروج من المعسكر أثناء الراحة إلا فى حدود ضيقة، بينما سمح للعمال الإسبان واليونانيين بالخروج كما شاءوا.

أما فى فلسطين، فكان العمال يشعرون بالألفة مع السكان الفلسطينيين. وقد أخذ الجيش الإنجليزى فتوى من مفتى الديار الشيخ بخيت بعدم الصيام للعمال المصريين، ولكن البعض أصر على الصيام. واهتم الإنجليز بمراعاة أعياد المسلمين وإعطائهم إجازة، ولكن لم يهتموا قط بأعياد العمال المسيحيين.

وكتب الضابط فينابلز أنه دون شك هؤلاء العمال أقل منّا فى التمدن، والعنف الشديد هو الطريقة الوحيدة لتعليم المصريين.

كان العمال يجلسون بعد انتهاء العمل ليتحدثوا عن أرضهم وفلاحتها وعن النساء، وكانت المعلومات تأتى من بعض الضباط الذين يعرفون بعض العربية. وكان الغناء شيئًا أساسيًا عند العمال، يغنى أحدهم ويغنى الكورس وراءه، وكانت أغنية «يا عزيز عينى أنا بدى أروّح بلدى» التى غنتها نعيمة المصرية، هى أكثر الأغانى المحببة لديهم؛ ويوجد تسجيل للأغنية فى الأرشيف البريطانى بصوت نعيمة المصرية وألحان سيد درويش بتاريخ 1915. وقامت عاليا مسلم، الباحثة المصرية اللامعة، بدراسة رائعة عن الأغانى التى غناها فلاحو الفيلق وكيف عبرت هذه الأغانى عن غضبهم وحبهم للوطن.

وعند وفاة أحد العمال يعطى الضابط للعمال يومًا إجازة ويتم الدفن حسب الشريعة الإسلامية مضافًا إليها بعض الطقوس العسكرية البريطانية. وكان العمال يقيمون حلقات الذكر، وأقاموا مسرحًا للترفيه أسموه الفانتازيا، وكان الضباط يحضرون العروض ويحصل الممثلون على هدايا وسجائر.

ونشرت جريدة التايمز أن الغناء بالنسبة للمصريين مثل التنفس، وقال فانبلز، الذى كان يعرف بعض العربية، إنه فى المناقشات السياسية قال العمال إن الأتراك لصوص وإن الإنجليز يفعلون فقط ما هو فى صالحهم.

وكانت من الأغنيات المحببة لديهم «كام ليلة، كام يوم.. ما باشوفش النوم».

بمرور الوقت، بدأ العمال يتحدثون فى السياسة ويحتدون فى بعض الأمور التى تطورت إلى احتجاجات ومظاهرات، ثم إضرابات، وحدثت فيها مذابح. وكانت فرنسا هى المكان الذى حدث فيه أكبر الإضرابات، أما الذين خدموا فى سيناء وفلسطين والعراق كان لهم هامش حرية أوسع، وكثير منهم تم توظيفهم كشرطة فى بغداد والبصرة لحفظ الأمن والنظام، وعند تسلمهم المرتبات اشتروا بضائع من الأسواق الفلسطينية.

فى جزيرة ليمنوس غرب إستنبول، احتج العمال على توقيع عقوبة الجلد على زميلهم، وقام الضابط البريطانى بقتل 5 عمال وجرح 17 عاملًا.

وفى سبتمبر 1917، أعلن الفلاحون العصيان المدنى، وعندما شعر الضباط الإنجليز بالخطر، أطلقوا النار فقتلوا 24 عاملًا وجرحوا 23، وفى كاليه أضرب العمال، فأطلقوا عليهم النار وقتلوا أربعة وجرحوا 15 عاملًا.

وفى أكتوبر، أضرب العمال فى ثلاثة معسكرات كبيرة فى جنوب فرنسا، واضطرت بريطانيا للرضوخ والتفاوض ونقلوا إلى معسكر دون عمل، حتى خروج جميع العمال من فرنسا فى نهاية 1917 إلى مصر.

وفى 28 مايو 1918 قبل الثورة بعام، قال سعد زغلول إنه شخصيًا شاهد احتجاجات الناس على إجبار الفلاحين بالقوة على الانضمام للفيلق. وقال سعد: لقد خطفوا الفلاحين من الأسواق والشوارع والجوامع والمحاكم ودفعوهم للتوقيع بأختامهم على عقود لا يعرفون عنها شيئًا، ومن رفض التوقيع تم ضربه. وتهكم سعد زغلول على كلمة التطوع وقال إن اسمه الاختطاف، وقد صعق القادة المصريون حين شاهدوا وعرفوا أن الفلاحين قد رُبطوا بالسلاسل والحبال حتى لا يهربوا، وكان العنف فى الريف عام 1918 شديدًا، مما أدى إلى حوادث عنف كثيرة ضد العمد والشرطة.

وأرسل سعد زغلول فى 12 يناير 1919 خطابًا إلى لويد جورج، رئيس وزراء بريطانيا، قال فيه إن التضحيات التى قدمتها مصر فى الحرب كبيرة.

وطالب سعد لمصر بمقعد فى مفاوضات باريس.

وأرسل إلى مجلس العموم البريطانى: بمناسبة الدور الذى لعبه فيلق العمال المصرى والذى ساعد بريطانيا بالدم والمال فى الحرب، فأقول لكم إن العالم كبير بما فيه الكفاية، ولم يعد يحتمل نوعين من الأخلاقيات وحقوق الإنسان، أحدهما لأوروبا والآخر لآسيا وإفريقيا.

وفى 9 مارس، اندلعت ثورة 1919، التى فى تقديرى هى ثورتان: الأولى فى المدن، قام بها الطلاب والموظفون والعمال ورجال الدين احتجاجًا على نفى سعد زغلول، وطالبت بالدستور والبرلمان، وشاركهم الأعيان طلبًا للمشاركة فى السلطة بدلًا من الإنجليز. والثورة الثانية كانت فى الريف، وبوادرها كانت فى العنف ضد الشرطة بسبب إجبار الفلاحين على الاشتراك فى الفيلق، وزادها تبوير الأرض وارتفاع أسعار الغذاء، وكانت هذه الثورة عنيفة، وتم رفع قضبان السكك الحديدية وأعمدة التليفون والتلغراف، وانتهت بعنف شديد ضد الإنجليز، مثل حادثة قطار ديروط التى قتل فيها المتظاهرون مفتش السجون البريطانى وسبعة ضباط بريطانيين، وفى اليوم التالى قتلوا عقيدًا بريطانيًا كان مسؤولًا عن تجنيد الفلاحين فى الفيلق، وكان رد فعل الإنجليز عنيفًا، فقتلوا حوالى 3 آلاف مصرى. وفى النهاية، وبسبب التضحيات الجسيمة للشعب لمدة 3 سنوات منذ قيام الثورة، أصدرت بريطانيا تصريحًا يوم 28 فبراير 1922، تعلن إلغاء الحماية واستقلال مصر وصياغة دستور وانتخاب برلمان، على أن تبقى القوات لحماية منطقة قناة السويس.

قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك

 

Rochen Web Hosting