رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

فنجان نجاح

قسم : مقالات
الأربعاء, 16 فبراير 2022 10:15

فنجان نجاح لا ينزل الأرض.. العبارة الأشهر بين الأوصاف التى أطلقت على قراءتها للفنجان.. كأنها تقرأ من كتاب مفتوح أمامها.. تحويشة البطن التى طال انتظارها ستحدث.. وتحدث.. الأفعى الملفوفة حول الرجل ستخيب.. لك ثعبان ذهب يلتف حول معصمك.. ويأتيها الثعبان الذهبى..والمريض يشفى والسنيورة بعد الصبر يأتيها الفارس على حصان.

 

فنجان نجاح أصبح من أهم أسباب مجىء زائرات الخليج لصديقتهن القاهرية التى كانت تعمل نجاح مديرة لبيتها كما تصحح لمن يقول تعمل فى خدمتها.. تدور الصوانى الفضية بأفخر فناجين للقهوة يأتين بها الزائرات بين هدايا الزيارة التى لا تخلو من الأثواب الفاخرة لنجاح ولحبيب عمرها وخطيبها السيد.. الصراحة الشديدة المتبادلة بينها وبين الزائرات الفاخرات بعد هز الفناجين بالطريقة التى لا تستطيع أن تفعلها إلا نجاح قبل أن تكفىء الفنجان على وجهه، مجالس انتظار جفاف الفناجين وقراءتها تحولت إلى جلسات بوح تحكى لهن بما حلمت به منذ وعت على الدنيا وأحبت السيد ولم يعد لهما حلم أكبر من عش عصفورة تنام فى حضنه فيه.. حكى نجاح عن أشواقها واستعدادها أن تفعل المستحيل لتتزوجه.. حكيها يجعل جراح حرمانهن تنزف وهن يحكين حكايات حب مهزوم وقسوة تقاليد فرضت سطوتها عليهن وحرمتهن أن يعشن قصص حب والزواج بمن تفرضهم العادات والتقاليد.. لم تخفى السيدات الفاخرات حسدهن لنجاح أنها تستطيع أن تعيش قصة حبها وتعد لتتزوج من تحب الذى لا يقف بينها وبينه إلا أبواب العمل مسدودة فى وجهه رغم الدبلوم الذى يحمله.. الباب الوحيد الذى وجدته مفتوحا قدمته الزائرات ليسافر إلسيد ويعمل فى بلادهن.. طارت الى السيد وحكت وفرحتها تزغرد فى قلبها الذى كسره السيد وهو يقسم برأس أبيه أنه يموت جوعا ولا يسافر ليعمل فى الغربة.

 

ــ ولا أنا يا سيد

 

ــ ولا أنت يا نجاح

 

نفذت عنادها واستسلمت لغضبها ولدعوات السيدات الفاخرات لتسافر معهن لتعمل قارئة فنجان.

 

ذاعت سيرتها وأصبحن يتخطافنها من بعضهن ويغدقن عليها الأموال والعطايا التى ترسل أفخرها للسيد مع أى مصرى تعرف انه على وشك النزول.. ومع كل هدية، كلمات تحاول أن تكتبها بخطها الذى يشبه نبش أرجل الفراخ فى تراب عشاشهم.. كانت تعلمت أن تخطها من سماع أغانى ام كلثوم فى الترانزستور الذى كان من بين الهدايا الكثيرة التى جاءتها بهم قراءة فنجانها الذى لم يخيب قراءتها أبدا.. دائما ومع كل هدية تكتب بخطوط نبش الفراخ كلمات مما حفظته من أغانى الست والتى تعلمتها من الكتيبات التى كانت تطبع وتبيع أغانيها بخمسة أوعشرة قروش وفى نهاية كل ما تستطيع أن تكتبه لابد أن تكتب «رق الحبيب وجانى» ولم تسعفها الحروف أن تكتب ما يغريه بالحياة اللينة ونعيم الخيرات فى بيوت كلها كالقصور التى كانت تشاهدها معه فى أفلام السيما التى كان ينتظر دعوتها له وعشق ما يستطيع أن يطوله منها فى ظلام المشاهدة.. أرادت أن تحكى له عما تقابلهم هناك من بشر من بلاد يقولون أنها الهند وباكستان واندونيسيا وأعدادهم أكبر من أبناء البلد.. ومغارات على بابا فى كل بيت التى سيشاهدها لو سمع كلامها وسافر إليها.. أحست أنها تكلم نفسها وأنه لا يسمع منها ولا كلمة.. وأصبح معها تحويشة يمكن ان توفرلهما مطرحا تجهزه بأحدث الأدوات الكهربائية وسرير معدن بناموسية تختفى معه وتغيب تحت ستائـرها ومع ذلك لم يتوقف أملها فى أن يرق الحبيب ويسافر إليها.. ولم يرق قلب سيد وهزم كسله وكراهيته للغربة أشواقه إليها واشواقها إليه وكان يرى الغربة وحِش بألف رأس سيبتلعه هناك وقلب الأرض بحثا عن عمل يأتيه بدخل يغريها بالعودة.. وقبل ما رفضه من قبل للعمل باليومية فى أعمال البناء والمحارة ودربه صديق عمره على ركوب السقالات والصعود بها إلى الأدوار العليا فى أبراج بدأت تنتشر فى وسع اكتوبر والصحراء بين القاهرة والسويس وبشرها أنه أصبح صاحب عمل ويمكن أن يجد مطرحا يجمعهما فى العماير الجديدة وطلب منها أن تنزل بتحويشتها قبل أن تزيد أسعارها.. وما صدقت فقد كانت أكثر شوقا إليه.. ومهما تغيرت الدنيا فلن تغلبهما وتفرقهما مرة أخرى.. ونزلت وغلبها إطفاء الأشواق على أن ترى أسعار الإيجارات وأن أصغر مطرح ممكن أن تعثر عليه معناه أن تعود وتظل فى الغربة باقى عمرها.

 

وأشد من نار أسعار المعيشة كانت تحرقها نار غضبها أن سيد مازال يركن عليها فى أكبر وأصغر أمورهم خاصة فى العثور على مطرح طيب ومهاود أقسمت له من وراء قلبها أن تتركه وتعود للغربة والراحة والعيشة اللينة التى كانت تعيش فيها وغير المطلوب منها فيها غير قراءة الفنجان.. كاد يشلها الخبر الذى سمعته وأكده سيد لها أن مرضا يقتل كل من يصيبه جعل الدنيا تغلق مطاراتها وتمنع السفر والذهاب والمجىء.. ظلت تبكى وتلعنه وتلعن خيبتها التى جعلتها تحبه من بين كل من خطب ودها وتمنى الزواج منها.. لم ينقذها من أحزانها ويعيد إليها عقلها إلا الخبر الذى جاءتها به صديقة عمرها.. كان أسعد خبر سمعته.. منذ عادت من سفرها رغم أن قلبها هدم فى صدرها عندما سمعت تفاصيل الخبر.. تعرف أن صديقتها تسكن مطرحا يعتلى مدفنا من المدافن التى أصبح يسكنها الأحياء والأموات اشترته صديقتها بالتقسيط المريح.

 

وهمست لها صديقتها لابد لم يسمع به أحد حتى الآن وإلا ما بقى فارغا بعد ارتفاع أصغر وأبسط المساكن وطمع الملاك الجدد جعلهم لا يقبضون دفع ثمنه إلا «كاش» جاءت بتحويشة عمرها ودفعت دم قلبها وقام هو بأعمال البياض التى أصبح يتقنها واشترت السرير ذو العمدان وضلفة دولاب بمرآة واقسمت ألا تتزوج إلا بزفة يرتبها سيد ويدفع ثمنها.. وغلبته أشواقه فاستدان على ما استدانه ليكمل بناء المطرح وبعد أن أصبح على استعداد للقيام بأى عمل يضع نهاية لحرمانه الطويل منها.. واستأجرت من بعض ما تبقى من التحويشة فستان زفاف أبيض من متجر قديم مرت كثيرا من أمام ما فى فترينته مما تبقى من أثواب قديمة.. كانت كلما مرت به تتخيل نفسها تلبس واحدا منها وترى نفسها بعيون خيالها أمام المرآة وأخيرا سيصبح الخيال حقيقة.. إيجاره لم يعد قليلا رغم أن ما تبقى من فساتين تكاد لمسة يمزق ما صنع منه من قماش لامع قديم وكثرة استئجاره.. بلت الشربات ورشت حلوى ملونة اشتراها السيد وظنت أنها زلطة عندما وضعت واحدة منها فى فمها.. أوصلتها الزفة الى المدفن الذى ستسكن مع سيد المطرح الذى أكمله ليصلح لسكنهما فوقه وطلبت منه أن يحملها ويصعد بها السلمات القليلة التى لابد من صعودها ليصلا إلى المطرح فوق المدفن فى كل ما شاهدته فى السينما مع السيد كان العريس ليلة الزفاف يحمل عروسه إلى بيتهما الجديد.

 

وفى أفراح السيدات الفاخرات كان يفعلها العريس بعد رش الدنانير الذهبية فوق العروسين ثلاثة ليال متواصلة.. حمد الله أن جسدها نحيل ليقدر أن يحمله ويصعد به السلمات القليلة الضيقة ويصل بها محمولة إلى عشهما السعيد.. شك أن يظل الليل سعيدا بعد أن تذكر أن جسمه أقل حجما من جسمها وان الوجع ينخر فى عظام ساقيه وأن طبيب الوحدة الصحية قال إنه الروماتيزم واعطاه مزيجا أبيضا لا قدم ولا أخر.. فعل المستحيل ليتماسك ويشد ظهره ويصعد بها، التوت قدمه فى كسر فى سلمه وسقطت من بين يديه وأحست أن رقبتها انكسرت صعدا زحفا ما تبقى من سلمات وأصبح صعود السرير المعدنى والدخول تحت الناموسية التى نصحوها ألا تنساها لانتشار الناموس والذباب وفرحت أنها كانت واحدة من هدايا السيدات الفاخرات المهوسات بقراءتها لفناجين قهوتهن وفرحت اكثر لما وجدت لونها بمبى مسخسخ.. أحس السيد أنه اذا حاول الصعود فوق الجبل كما بدا له السرير المعدنى العالى سينكسر ظهره وسيدفن فى المدفن تحت عشهما السعيد، شدها وطرحها فى الأرض، صبره نفذ وأشواقه إليها اشتعلت حاولت أن تغطى جسدها وأطبقت بكفها على فمه وأبعدته عنها وسألته ان كان يسمع ما تسمعه هى.. حاول أن يسمع أى صوت.. لم يسمع.. قالت له يبدو ان سكان المدفن تحتهم استيقظوا.. زميلتها حذرتها من غضبهم وأن يقترب منها السيد إذا استيقظوا وأنها والسيد يجب أن يحترموهم ولا يصدر عنهما صوت أو حركة اذا سمعوا أصواتهم.. ظن أنها تهذى وتخرف.. واصلت جمع وإغلاق ثوبها وابتعدت عنه أكثر وواصلت وهى تكتم صوتها أكثر.. أن المدفن ربما يكون بنى فوق مقابر أجدادهم الفراعنة وان عليهم ان يحترما كل أمواتهم رحمة الله عليهم الأقرب أو الأبعد وأن ينتظرا نومهم.. عاد يحاول أن يسمع.. فشل وهمد وكل شيء فيه همد ونام.. لا يدرى كم مضى من الوقت عندما نادت عليه تطمئنه.. ناموا يا سيد اصحى.. زاحها بعيدا عنه وقال نامى.. عندى عمل من الفجر لأسدد ديونى ومن يدرى قد يستيقظوا فى أى وقت.

 

 

لمزيد من مقالات سكينة فؤاد

Rochen Web Hosting