رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

زياد بهاء الدين حديقة الأسماك.. والصندوق السيادى.. ومصير الحدائق

قسم : مقالات
الجمعة, 25 فبراير 2022 10:39

خلال الثلاثين عامًا الماضية ظلت حديقة الأسماك، الواقعة على الضفة الغربية لجزيرة الزمالك، مطمعًا للجميع: المستثمرين الباحثين عن فرصة لاستغلال أرضها القيمة، وأصحاب العمارات المحيطة بها الراغبين فى تحويلها لجراجات بدلًا من التى تهربوا من إنشائها، والموظفين المستعدين للتعاون مع الجميع. وكل عامين أو ثلاثة يجد سكان المنطقة أنفسهم مضطرين للتكتل والتشاور والصياح لحماية الحديقة التاريخية المقامة عام ١٨٦٧ فى عهد الخديو إسماعيل.

 

ولكن هذه المرة فإن المسألة تبدو مختلفة وتثير أسئلة ضرورية، ليس فقط حول مصير هذه الحديقة الجميلة بل حول منطق الدولة إجمالًا بشأن الحدائق العامة وكيفية إدارتها.

الخبر المنشور مطلع الأسبوع كان عنوانه: «رئيس الوزراء يوجه بعرض تفاصيل خطة تطوير حديقة الأسماك على المجلس الأعلى للتخطيط العمرانى». وهذا فى حد ذاته ليس غريبًا بل مطمئن، لأن التطوير جيد والعرض على التخطيط العمرانى ضرورى. ولكن الغريب أن يتضمن الخبر ذاته أن الذى قام بخطة التطوير هو صندوق مصر السيادى، وأن يصرح مدير الصندوق بأنه «تم الانتهاء من خطة التطوير، وتم إبرام اتفاق مبدئى مع إحدى الشركات لاستغلال الأنشطة التجارية بالحديقة».

وقد استوقفنى الخبر وأثار قلقى لعدة أسباب.

أولها لأن غرض الصندوق السيادى المُنشأ منذ سنوات قليلة- وفقًا لقانون إنشائه رقم ١٧٧ لسنة ٢٠١٨- هو المساهمة فى التنمية الاقتصادية المستدامة من خلال إدارة أمواله وأصوله أو أصول الجهات التابعة للدولة. وهذه مهمة هائلة وبالغة الخطورة، وقد رصدت لها الدولة مليارات الجنيهات. وقد قام الصندوق بالفعل بإنشاء عدة صناديق فرعية، وساهم مؤخرًا فى بنك، وعُهدت إليه أصول كبيرة مثل مجمع التحرير وأرض المعارض بمدينة نصر وغيرهما. فلماذا ينشغل بحديقة الأسماك التى لا تحتاج إلا لبعض الإضاءة والنظافة والعناية؟ لا أستنكر طبعًا أن تطلب الحكومة رأى الصندوق فيما تراه مهمًا، خاصة أن للصندوق إدارة متميزة للغاية ومشهودًا لها بالكفاءة والخبرة والنزاهة وإتقان التعامل فى الأسواق المالية الحديثة. ولكن أشفق على إدارته من أن ظاهرة مصرية صميمة، وهى أن نلقى على من تثبت كفاءته ونزاهته بكل صغيرة وكبيرة، ونثقل عليه بمسؤوليات لا تنتهى، فيصبح عمله بعد حين مستحيلًا أو واقعًا تحت ضغوط هائلة. فرفقًا بالصندوق السيادى حتى يؤدى مهمته الوطنية، وهذه نصيحة مخلصة.

من جهة أخرى، وهذه قضية عامة تخص كل الحدائق وليس حديقة الأسماك وحدها، فإن قانون إنشاء الصندوق ونظامه الأساسى يؤكدان أن عليه القيام بمهامه «على أسس تجارية لتحقيق العائد الاستثمارى المحدد بموجب سياسة الاستثمار الخاصة بالصندوق». وهذا يعنى أن تكليف الصندوق بوضع تصور وبالتعاقد مع شركة استثمارية لاستغلال حديقة الأسماك قد استند إلى معايير الربحية التجارية المطلوبة لجذب شركة من القطاع الخاص. ولكن هل هذا هو المطلوب فعلًا بالنسبة للحدائق العامة، أم أن الأفضل أن تتاح الفرصة للمواطنين للتريض والاستمتاع بالمساحات الخضراء النادرة باعتبارها خدمات عامة مجانية (أو ذات أسعار رمزية) بعيدًا عن معايير الربح والخسارة؟ أقول هذا وأنا عمومًا من المدافعين عن القطاع الخاص وعن حقه فى مزاولة النشاط بحرية، وفى تحقيق الربح المشروع. ولكن هذا لا يعنى أن كل مصلحة وكل مرفق وكل خدمة عامة يجب أن تخضع لمعايير الربحية، بل الدولة تدير ممتلكاتها وأصولها أحيانًا لتحقيق الربح، وأحيانًا لتغطية التكلفة، وأحيانًا بدعم السلعة أو الخدمة المقدمة. واعتقادى أن الحدائق العامة من المرافق التى تستحق دعم الدولة دون أن تتحول لمشروعات تجارية. وأتمنى فتح حوار عام حول منطق إدارة الحدائق العامة فى البلد.

وأخيرًا، فإن اهتمام السيد رئيس مجلس الوزراء بحديقة الأسماك وبكل حدائق مصر محل تقدير واحترام، خاصة أننا نُعد أنفسنا هذا العام لاستقبال ملتقى المناخ العالمى. ولكن كنت أتمنى ألا يُفاجأ السكان بأن عقدًا قد تم بالفعل إبرامه بشكل مبدئى مع شركة خاصة، وأن يلتقى المسؤولون أولًا مع السكان قبل وضع خطط وقبل إبرام عقود. وهذا ليس فرضًا نظريًا، لأن للسكان جمعيات أهلية تمثلهم ومجالس إدارة منتخبة. وقد يكون لديهم مقترحات، وبدائل، وأولويات مختلفة، بل واستعداد للتعاون والتبرع بما يُغنى عن فتح محال تجارية وإفساد هدوء وجمال الحديقة.

 

Rochen Web Hosting