رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

خليك هادى.. هل هذا ممكن؟!

قسم : مقالات
الإثنين, 14 مارس 2022 22:44

الهدوء له علاقة بالمحبة، فالإنسان المحب يكون هادئًا فى علاقته مع الآخر. لا يثور عليه، ولا يغضب ولا ينفعل. والعالم يحتاج إلى المحبة والهدوء، لكى يحل مشاكله. يحلها بالتصالح وليس بالتصادم والتصارع. ففى الهدوء وبالهدوء يمكن أن يتلاقى الناس مهما اختلفت أفكارهم، ليحلوا مشاكلهم فى هدوء بالحوار المشبع بالحب. أما إن اختفى الهدوء، فإن الحب يختفى معه. إذ لا تبقى المحبة مع الحروب والعنف والصخب والضوضاء.

 

أولًا: خليك هادى!!

كيف؟! الأتوبيسات تصرخ ساريناتها!! والسيارات كلاكساتها!! والتكاتك تتحرك أحيانًا بدون أى ضوابط، والناس يعترضون فى وجوه بعضهم البعض!! ويتحركون بعنف!! ألا ترى هذا التكدس الرهيب؟! ألا تعرف أننا كنا سنة 1952 عشرين مليونًا.. وصرنا الآن أكثر من 100 مليون؟!

1- العنف هو سيد الموقف!! 2- العنف على مستوى البلد!!

3- وعلى مستوى المنطقة!!

4- وعلى مستوى العالم!!

ثم تقول لى خليك هادئ!.. فما الحل؟!

ثانيًا: تعالى.. نتفاهم.. ممكن؟!

العنف أخى الحبيب وأختى المباركة، لا ينشأ فى اليد أو القدم أو كلاكس السيارة!!

العنف يبدأ فى الفكر!! فى المخ!! فى الأعصاب!!

وبعد ذلك ينتقل إلى اليد.. وهنا أتذكر المثل الصينى القديم:

1- ازرع فكرًا.. تحصد عملًا.

2- ازرع عملًا.. تحصد عادة.

3- ازرع عادة.. تحصد خُلقًا.

4- ازرع خُلقًا.. تحصد مصيرًا.

ثالثًا: البداية هى فى الفكر!!

أ- الفكرة التى جاءت إلى ذهن الشيطان، أن «يصير مثل الله، وأن يضع كرسيه فوق كرسى العالى»

(إشعياء 14،13:14)، هى التى جعلته يتمرد ثم يسقط ثم يُسقِط الآخرين!!

ب- والفكرة التى طرحتها الحية على أمنا حواء، إذ أغوتها بأن تصير هى وآدم عارفين الخير والشر مثل الله، وأن الله أراد أن يحرمهما من هذا الأمر المهم. هذه الفكرة هى التى حركت الحواس (فنظرت إلى الشجرة)، والنفس (فرأتها شهية)، واليد (فاقتطفت وأكلت) وإشراك الآخرين (فأعطت آدم). سلسلة بدأت بفكرة!

ج- والتوبة أيضًا تبدأ بفكرة.. فى مثل الابن الضال: حين جلس الابن الضال مع نفسه، وأخذ يفكر كيف أنه فى طريق الهلاك جوعًا. بينما الأجراء فى بيت أبيه «يَفْضُلُ عَنْهُم الْخُبْزُ» (لوقا 13:15)، فكر فى نفسه، «فتاب» أى رجع إلى رشده (تاب = صحا، فالتوبة هى صحوة فكر).. وتاب وعاد إلى أمجاده الأولى!

رابعًا: الفكر ما بين الإنسان والحيوان

فالفرق بين الإنسان والحيوان أن الحيوان = جسد + نفس. والإنسان = جسد + نفس + عقل + روح. والعقل والروح هما معًا فى «الروح العاقلة» التى نفخها الرب فى أنف آدم، فصار نفسًا حية أى صار عاقلًا روحانيًا، يفكر ويدرس ويستنتج، لأنه يتصل «بالماورائيات».

1- ماذا وراء الكون؟ ومن؟

2- ماذا بعد الموت؟

3- ماذا وراء المادة؟

4- ماذا وراء الزمن؟

هذه التساؤلات هى من «الروح العاقلة» التى يختلف بها الإنسان عن الحيوان.

إذن الفجوة كبيرة بين الإنسان والحيوان!! وليس كما يتصور «دارون»!! لقد توقف أمام فجوتين غاية فى الأهمية، وهما:

1- كيف جاءت الخلية الأولى الحية؟!

2- كيف جاء الإنسان مختلفًا بصورة جذرية عن القردة؟!

الإجابة: أن الله هو الذى أوجد الحياة، فلابد للحياة من كائن عاقل حى غير محدود، لكى يخلق هذه الحياة بأنواعها المختلفة! أما التشابه بين الإنسان والقرد فهو دليل «الصانع الواحد» الذى خلق كليهما، فأعطى القرد جسدًا + نفسًا (عزيزية)، وأعطى الإنسان فوق الجسد والنفس روحًا عاقلة!

خامسًا: الاهتمام بالروح هو الحل!!

هذا هو المفتاح!! فهدوء الفكر ينبع من هدوء الروح!! وهدوء الروح ينبع من نعمة الله!! ويقول سليمان الحكيم فى سفر الأمثال: «هُدُوءُ اللِّسَانِ شَجَرَةُ حَيَاةٍ» (أمثال4:15).

ونعمة الله نأخذها مما يلى:

1- توبة: تعيدنا إلى حضن الله المحب، وننال بها الغفران والتطهير من الخطايا التى تتعب الضمير، والتى تعطى الإنسان الإحساس بالذنب «Sense of guilt» وهو أهم دافع للتوتر، وبداية الطريق إلى العنف.. ناهيك عن حركات الشهوة والغيرة والحسد التى تحرك الإنسان نحو الكراهية، وهى الطريق إلى العنف.

2- شبع روحى: أى أن تملأ روح الله قلب الإنسان، فلا يكتفى سلبيًا بترك الخطايا.. بل يمتلئ من محبة الله.. وهنا تتدقق فيه ثمار الروح القدس التى هى: «مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وداعة تعفف» (غلاطية 22:5).

هل تتصور أن إنسانًا فيه هذه الثمار يمكن أن يكون عنيفًا؟!.. مستحيل طبعًا!! وإن انفعل بأخطاء يسرع بالتوبة والاعتذار، فتنتهى الخصومات والمنازعات بسرعة.

3- حياة إيجابية باذلة: المحبة تجعل الإنسان صانع سلامًا «طُوبَى لِصَانِعِى السَّلاَمِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ اللهِ يُدْعَوْنَ» (متى 9:5)، والمحبة تجعلنا «نحب بعضنا بعضًا من قلب طاهر وبشدة» (1بطرس 22:1)، يقول السيد المسيح: «إِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ.. لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رومية 20:12-21). والمحبة تجعلنا لا نغضب فوصية الرب لنا: «أَعْطُوا مَكَانًا لِلْغَضَبِ» (رومية 19:12)، ولا تجعلنا ننتقم لأنفسنا، بل نترك الأمر للحاكم العادل، ولربنا المجد الدائم إلى الأبد، آمين.

* أسقف الشباب العام

بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية

 

Rochen Web Hosting