رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

حلمي النمنم تأييد بلا حماس!

قسم : مقالات
الإثنين, 14 مارس 2022 22:48

في تصريح من بين تصريحاته، قال محافظ أسيوط زمن الرئيس السادات محمد عثمان إسماعيل، إنه لاحظ في جلسة التصويت على ترشيح نائب الرئيس محمد أنور السادات لخوض الاستفتاء على رئاسة الجمهورية، عقب وفاة الرئيس عبدالناصر أن «مراكز القوى صوتوا لصالح السادات ولكن بلا حماس».

 

عثمان إسماعيل هو أحد مؤسسى الجماعة الإسلامية في أسيوط بتكليف من الرئيس السادات، لكنه ذكر أن التكليف جاءه هو تحديدًا لأنه كان صاحب الاقتراح بإنشاء جماعات دينية تكون قادرة على التصدى لمجموعات اليسار وكوادر الاتحاد الاشتراكى، ودون اندهاش فإن هذا المؤسس كان أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكى العربى زمن «مراكز القوى»، أي أنه بمعنى ما، كان واحدًا من تلك المجموعة، غير أنه هو وغيره سارعوا إلى التبرؤ ممن أطلق عليهم السادات «مراكز القوى»، ثم أسماهم في كتابه «البحث عن الذات» عملاء موسكو.

انتقال البعض من خانة الاشتراكية ومن مقاعد الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى إلى مقاعد التشدد الدينى يحتاج تأملًا ودراسة خاصة، من يصدق أن «خيرت الشاطر» كان من صقور التنظيم الطليعى؟!.

مسألة التأييد بلا حماس، طرحت في الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس السادات، ذلك أن نتيجة الاستفتاء على الرئيس الجديد، كانت أكثر قليلًا من ٩٠%، ويبدو أن هناك من رآها- فيما بعد- نتيجة ضعيفة قياسًا إلى ما كان معتادًا قبل ذلك وهى- بتعبير المفكر الراحل د.فؤاد زكريا- الخمس تسعات، أي 99.999%، وبعد ما جرى في مايو١٩٧١والزج بقيادات الاتحاد الاشتراكى في السجن، راح من نجا وقفز إلى مركب السادات يتنصل من الماضى، خاصة ماضيه الخاص سياسيًّا وتنظيميًّا.

الواقع أن حصول الرئيس السادات على نسبة ٩٠%، ليس هينًا ولا هي نسبة قليلة، ولا تهز مشروعيته من قريب ولا من بعيد، كان الأدق أن تقارن بما حصل عليه عبدالناصر في أول استفتاء خضع له، بعد استقالة أو إقالة الرئيس محمد نجيب، وسوف نجد أنها كانت مقاربة جدًّا لما حصل عليه السادات.

وفى تاريخنا السياسى سوف نجد مصطلحات عجيبة مثل التأييد فقط، ويبدو أن هذا ليس كافيًا ولا مقنعًا لدى حزب التأييد الخارق أو الهاتف، ويسمونه تأييدًا بلا حماس، وصاحبه يجب أن يكون موضع شك ثم يدخل دائرة الاتهام.

لكن هل يمكن أن نأخذ بهذا التصنيف فيما يخص مجموعة العمل التي كانت تحيط بالرئيس عبدالناصر؟ تحديدًا على صبرى وشعراوى جمعة، وغيرهما، هل يمكن الجزم بأنهم لم يتحمسوا لاختيار السادات رئيسًا؟ أو أنهم كما ردد بعض الكتاب المقربين من السادات، فيما بعد، وافقوا عليه لأنهم تصوروه ضعيفًا ومن ثم سوف ينتزعون منه كل ما يريدون أو يحكمون مصر- فعليًّا- من خلاله ورغم وجوده؟!.

بالرجوع إلى وقائع تلك الفترة يمكننا الذهاب إلى العكس وهو أنهم تحمسوا لاختيار السادات، والأدلة والشواهد كالتالى:

أولًا: أرسى عبدالناصر قاعدة أن الرئيس يجب ألا يخرج عن دائرة أعضاء مجلس قيادة الثورة، وقد حسم ذلك مرتين، الأولى حين أعلن التنحى مساء ٩يونيو ٦٧، واختار طبقًا لقواعد دستور ٦٤، زميله زكريا محيى الدين، عضو مجلس قيادة الثورة، وفى ديسمبر ٦٩، اختار أنور السادات نائبًا له، في وقت كان المرض سيطر عليه وكانت حياته في خطر، إذ كان من الوارد أن يتعرض للاغتيال وهو في رحلته إلى المغرب الشقيق، ولما كانوا جميعًا من خارج هذه الدائرة فلم يكن واردًا أن يتم الدفع بأحدهم إلى هذا الموقع، صحيح أن عبدالناصر تحدث في بيان ٣٠ مارس ٦٨، عن ضرورة منح الجيل الجديد فرصة، وفعل ذلك في اختيار بعض الوزراء والمحافظين وبعض المواقع الأخرى، لكن فيما يخص رئاسة الجمهورية ظل على موقفه القديم؛ في كل الأزمات الكبرى التي تعرضت لها الدولة زمن عبدالناصر، كان يستعين أولًا بزملائه القدامى، ورغم أي خلافات تقع مع أي منهم، كان ذلك يتلاشى فورًا في اللحظات الصعبة؛ وقد حافظ السادات- إلى حد كبير- على هذه القاعدة حتى بعد انتصار أكتوبر، حين قرر اختيار الفريق طيار حسنى مبارك نائبًا له، سنة٧٥؛ معلنًا الاستعداد لتسليم السلطة إلى «جيل أكتوبر، وأن جيل يوليو ٥٢ قد أدى دوره». سوف نلاحظ أن السادات لم يختر أيًّا من القادة المجايلين له أو لعبدالناصر مثل المشير محمد عبدالغنى الجمسى ولا المشير محمد على فهمى. الأسماء عديدة بين القادة وكل منهم كان صاحب إنجاز ضخم في معركة العبور العظيم. كم تغزل السادات في خطبه بكراسة الجمسى وتخطيطه للحر ب، منح عددًا منهم رتبة المشير، حتى لو لم يكن قائدًا عامًا للقوات المسلحة، لكنه قفز إلى جيل آخر، في اختيار من يجلس مستقبلًا في مقعد الرئيس.

ثانيًا: بين أعضاء مجلس قيادة الثورة، لم يكن هناك بعد السادات، يمكن أن يطرح اسمه في هذا السياق، سوى زكريا محيى الدين وعبداللطيف البغدادى، أما الآخرون فقد ابتعدوا كثيرًا أو أُبعدوا منذ فترة أو ساروا في دروب أخرى تمامًا.

زكريا محيى الدين شغل العديد من المواقع التنفيذية المؤثرة، وزير الداخلية ثم رئيس الوزراء وبعدها نائب رئيس الجمهورية، هو كذلك مؤسس المخابرات العامة والجهاز المركزى للمحاسبات، كان من قبل جهازًا صغيرًا باسم ديوان المحاسبات، لكنه كان على خلاف جذرى ومعلن مع على صبرى وكل هذه المجموعة، وكان ضد الكثير من السياسات القائمة، مثل الدعم وتحمل الحكومة والاقتصاد القومى الكثير من الأعباء لدعم الفقراء، وكان ضد تعميق العلاقات مع الاتحاد السوفيتى، كان يرى الأفضلية للعلاقات مع الغرب عمومًا وليس الشرق، كان بذلك يعبر عن تيار قديم وعميق في السياسة والثقافة المصرية.

عبداللطيف البغدادى كان وزيرًا للشؤون البلدية وهو الذي أنشأ كورنيش النيل بعد ٥٢ مخترقًا سياج السفارة البريطانية بما خلق له شعبية كبيرة، ثم تولى وزارة الحربية لفترة قصيرة ثم رئيسًا للوزراء وعضوًا بالمجلس الرئاسى، لكن كانت لديه تحفظات عديدة على هذه المجموعة وعلى بعض السياسات العامة، وهكذا كان السادات الأقرب إليهم وهو جزء من المنظومة القائمة، نائب الرئيس، ولم يكن مثل زكريا أو البغدادى، خارج الدائرة الرسمية، فضلًا عن أنه صاحب شرعية طبقًا للدستور؛ وفى النظام السياسى والإدارى المصرى، طوال التاريخ، المشروعية هي الشرط الأول والأهم؛ وحدث أن أبرزت الأهرام صورة زكريا محيى الدين في جنازة عبدالناصر، الأمر الذي أغضب على صبرى ومجموعته بشدة، واعتبروا أن«هيكل» يدعم زكريا والتوجه الأمريكى «الإمبريالى»، في حكم مصر، وهكذا اختاروا وتحمسوا للسادات، ولو أرادوا عرقلة الأمر لفعلوا اعتبارات البيروقراطية، حيث إن الدستور كان يتحدث عن أنه إذا خلا موقع رئيس الجمهورية، يتم طرح اسم النائب الأول لرئيس الجمهورية. السادات كان نائبًا فقط وليس نائبًا أول، لكن لم يتوقفوا عند تلك الجزئية وجرى اختيار السادات.

ثالثًا: ليس صحيحًا أن السادات كان ضعيفًا زمن عبدالناصر، كما ردد البعض، كان موجودًا، حاضرًا وفاعلًا طوال الوقت، كان كاتبًا ومؤلفًا، مثّل الصوت الرسمى لثورة ١٩٥٢، تولى مواقع حساسة، ويجب ألا ننسى أنه كان أول من اقترح إرسال قوات إلى اليمن لمساندة ثورتها، وكان أشد المتحمسين، ليته ما تحمس وليت عبدالناصر ما أنصت إليه؛ هو أيضًا أول من حمل إلى عبدالناصر من القيادة السوفيتية الرسالة الشؤوم في مايو٦٧ حول الحشود الإسرائيلية على الجبهة السورية، لم يكن السادات ضعيفًا ولا كان طارئًا ولا دخيلًا على المشهد السياسى، غاية ما يمكن أن يقال أنه لم يكن لامعًا بالقدر الكافى لدى الرأى العام، ولانسجت حوله أساطير مثل بعض زملائه من أعضاء مجلس قيادة الثورة أو حتى من غيرهم، وكان ذلك زمن الأساطير والكاريزما، هو لم يتول مواقع تنفيذية تمثل احتكاكًا مباشرًا مع الرأى العام، لكنه كان يمتلك شرعية ثورة يوليو وأنه كان عضو مجلس قيادة الثورة، نائب الرئيس لحظة وفاة عبدالناصر.

هو لم يكن ضعيفًا.

 

Rochen Web Hosting