رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

سرديات الخلاف

قسم : مقالات
الخميس, 07 أبريل 2022 19:50

قدم الرئيس السادات سرديته الخاصة بالخلاف الكبير أو الصراع فى بداية حكمه مع نائب رئيس الجمهورية على صبرى، رجل الاتحاد الاشتراكى القوى ومجموعته.. تقوم هذه السردية على أن مجموعة «مراكز القوى» تلك كانوا يتربصون به ويتآمرون عليه شخصيًا من اللحظة التى تولى فيها الرئاسة، وأنه كان مدركا لذلك وأنهم تعاملوا معه بتصور أنه سيكون نسخة كربونية من عبدالناصر، يتركهم يفعلون ما يحلو لهم.

 

يمكن أن نجد تلك السردية بتركيز شديد فى كتابه «البحث عن الذات»، كذلك فى الفصل الأول من كتاب محمد حسنين هيكل «الطريق إلى رمضان»، ويمكن أن نقرأها بتفصيل أكثر فى حوارات السادات مع كل من موسى صبرى وأنيس منصور.. حكى السادات كثيرا قصة قراره إلغاء الحراسات الذى ذكر فى كتابه أنه أسعد حتى سائقى التاكسيات فى القاهرة، وليس فقط الأثرياء الذين كانوا تحت الحراسة.. اعتبر السادات القرار طلقة أولى فى معركته معهم، حيث طلب من مدير مكتبه سامى شرف إعداد القرار وعرضه عليه للتوقيع، واستغرق الأمر من سامى عدة أيام، ثم قدم له مشروعًا غير الذى يريده بدلًا من أن يطلب تعديل المشروع وإضافة النص الذى يريده، قرر أن يعد هو القرار بطريقته ومن خلف سامى والمجموعة، فلجأ إلى رئيس تحرير الأهرام محمد حسنين هيكل كى يكلف د. جمال العطيفى، وكان المستشار القانونى للأهرام، بإعداد القانون. وفى خلال ساعتين كان قد أعده وأرسله إليه وأصدره. يحكى السادات أنهم- أى قيادات الدولة- فوجئوا بالقرار حين صدر.

لا يمكن التشكيك فى رواية السادات، والواضح أنه كان يقدر العطيفى، لذا اختاره وزيرًا فيما بعد.. لكن من خبرة العمل ومعايشة المؤسسات الصحفية، من المستحيل أن يكون فيها سر بالمعنى الدقيق، خاصة إذا كان الأمر متعلقًا برئيس الدولة، طبيعة المهنة الكلام والكشف عما هو خفى، وهناك دائمًا من يفضلون تقديم أنفسهم للآخرين باعتبار أنهم يعرفون ويعلمون أكثر ويرون بوضوح أشد، وعلى هذا فإن هذا القرار لم يكن بهذه الدرجة من السرية التى تصورها الرئيس السادات.

وإذا صح أنهم فوجئوا بالقرار ولم يعلموا به إلا بعد صدوره، فهذا يعنى عدة أمور، أبرزها عدم صحة مقولة أنهم كانوا يتجسسون على الرئيس ويتنصتون على مكالماته التليفونية وسائر تحركاته، وإلا لعلموا بالأمر من خلال اتصاله مع هيكل وتكليف العطيفى.

ولو صحّ أن القرار كان سريًا إلى هذه الدرجة، فهذا يعنى أنهم كانوا «غلابة» بجد، لم يكن الأهرام بيت الأسرار، والدليل كتاب توفيق الحكيم «عودة الوعى»، كتبه الحكيم سنة ٧٢، وعلى طريقته أعد منه مجموعة نسخ وزعها على أصدقائه من المثقفين والكتاب لاستطلاع آرائهم، حتى وصلت نسخة منه إلى السادات.. كل ذلك دون أن يعلم به هيكل نفسه، الذى فاجأه السادات بالنسخة، مسجلًا عليه أنه لا يدرى بكل ما يقع فى الأهرام.. كان ذلك عقب بيان الحكيم الشهير وكان الرئيس غاضبًا بشدة منه ومن نجيب محفوظ.

الاحتمال الأخير لسرية هذا القرار أن مجموعة «مراكز القوى» كانوا يحترمون اختصاصات الرئيس ولا يتدخلون فيها، ومن ثم ليس هناك معنى ولا مجال للحديث عن السرية، لأن الرئيس يمارس اختصاصه الدستورى.

التساؤل الكبير هنا: هل كانت رئاسة الجمهورية تخلو من مستشارين قانونيين؟، وهل كان البرلمان (مجلس الأمة) بلجنته التشريعية والدستورية يخلو من كفاءات قانونية فلجأ الرئيس بشكل شخصى ومباشر لمن يعرفه ويثق به، أقصد د.جمال العطيفى؟.

الواضح أننا بإزاء مشهد سيتكرر كثيرًا، وهو أن يتحرك الرئيس منفردا، بعيدًا عن المؤسسات، اعتمادًا على من يثق بهم أو يطمئن إليهم، حتى فى أعقد القضايا.

سردية أو رواية الرئيس السادات ظلت هى السائدة والمسيطرة طوال فترة حكمه، فقد كان الآخرون فى السجن حتى مايو١٩٨١، لم تكن هناك كلمة إيجابية عن أى منهم، صاروا مادة مجانية للهجوم ولكل من يريد أن يبدى ودًّا أو تقربًا من السادات، ولما أفرج السادات عنهم لم يكن مسموحًا لهم بالتحدث فى الإعلام، لكن فيما بعد وجدنا على استحياء سردية أخرى قدمها نائب رئيس الجمهورية السابق على صبرى، من خلال حديث مطول أدلى به إلى الناقد والصحفى الراحل د.غالى شكرى، وحديث آخر نشره فى كتاب الكاتب والصحفى الراحل عبدالله إمام، عند خروجه من السجن، كان الواقع السياسى والاجتماعى تجاوز مرحلته ودوره، والمؤكد أنه أدرك ذلك جيدا، لذا ابتعد عن الأضواء تماما، تذكره الناس حين توفاه الله فى أغسطس ١٩٩١ بأزمة قلبية، وتقدم الرئيس الراحل حسنى مبارك جنازته، كانت تلك الجنازة أقرب إلى رد الاعتبار له وتقدير لتاريخه، وإذا كان الرأى العام لم يتذكره، فإن فريقا من المؤرخين والصحفيين سعوا إليه يستمعون منه، فقدم سرديته، وأهم ما فيها أنه بدا غير متوتر ولا حانق على السادات، بل أبدى امتعاضًا فى حواره مع غالى شكرى من بعض الحملات الإعلامية على السادات، خاصة بعد اغتياله «استشهاده»، كان متصالحًا مع ما جرى ومع ذاته، رغم تجربة السجن والتشهير الحاد به.

فى سرديته، نفى على صبرى نفيًا مطلقًا كل ما قيل عن تآمره على السادات أو التفكير فى الإطاحة به أو العداء المسبق للرئيس، ومن يتابع العام الأخير فى حكم عبدالناصر يمكن أن يلاحظ تقاربًا بين السادات وعلى صبرى.. حين وقعت الغارة الإسرائيلية على مدرسة بحر البقر ذهبا معا إلى المنطقة المنكوبة والتقيا الأهالى وعادا معا إلى عبدالناصر باقتراح واحد، رفضه عبدالناصر ورفضه الأهالى أيضًا، كان الاقتراح «تهجير أهالى تلك المنطقة من محافظة الشرقية الملاصقة لمنطقة القناة».

حكى على صبرى بأمانة أوجه الخلاف مع الرئيس، وفى بعض الوقائع بدا أن طريقة تعبيره عن الخلاف لم تكن لائقة، مثل أن يتحدث فى اجتماع الاتحاد الاشتراكى فى وجود الرئيس ويطيل الحديث جدًا جدًا، وعندما يبدى بعض المحيطين بالرئيس تململًا، فإنه يبدو ديمقراطيًا ويستأذن هل يتوقف؟.. لكن الرئيس يشير له أن يستمر.. فى حديثه، يشير إلى الرئيس بكلمات مثل: «الأخ أنور السادات» أو السيد أنور السادات، لم يستعمل كلمة الرئيس ولا تعبير «السيد الرئيس»، كما كان سائدا وقتها؛ الحق أنه لا يليق من رجل دولة أن يتحدث هكذا، بهذه الطريقة عن الرئيس، فضلا عن أنه نائب الرئيس.. كلمة«الأخ فلان» تقال إذا كنا نشير إلى شخص لا نعرفه أو بقصد الاستخفاف وتقديمه باعتباره «نكرة». ولابد للمرء أن يتساءل: كيف تقبّل السادات ذلك واحتمله؟!.

ويحاول على صبرى فى روايته لغالى شكرى أن يفسر طريقته تلك مع الرئيس بالقول: «اتفقنا على أن تكون السلطة تشاركية»، وذلك قول لا يدخل عقل.. فارق بين عبارات المجاملات البروتوكولية والوقائع، يمكن للسادات لحظة أن تم ترشيحه أن يكون قال كلمات بهذا المعنى، لكن الرئيس هو الرئيس، إصرار «على صبرى» على حكاية التشاركية يعنى أنه لم يكن متعمقا فى معنى النظام الذى شارك فى تأسيسه، النظم تحتكم إلى الدساتير والمشروعية وليس إلى عبارات المجاملات أو ما يمكن أن نسميه كلمات «فض المجالس».

الرئيس السادات كان مجاملا، أو يرضى عن شخص فيرفعه إلى السماء السابعة، ثم تجِدُّ ظروف فيغير رأيه، قد يكون إلى النقيض.. علاقته بأسماء مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل تؤكد ذلك، يغضب من هيكل فيعزله من الأهرام ويهاجمه بضراوة، ثم يرضى عنه فيعرض عليه منصب وزير.

قال مرارًا إن المشير محمد عبدالغنى الجمسى وزير حربية إلى الأبد، وأشاد كثيرًا ومطولًا بكراسة الجمسى حين كان قائدا لغرفة العمليات أثناء الإعداد لحرب أكتوبر ٧٣ وعملية العبور.. بعد أسابيع قام بتغييره. الرئيس يمكن أن تتكشف أمامه وقائع وتجدّ أحداث محليًا أو إقليميا ودوليًا تدفعه للتغيير وللتبديل. ربما لا تكون تلك الوقائع معروفة للكثيرين، وقد لا تكون معلنة.

وقد يكون واردًا أن يختلف وزير أو رئيس الوزراء مع رأى أو توجه للرئيس، بحكم أن رئيس الوزراء أو الوزير مسؤول تنفيذى يعمل على الأرض ويرى تفاصيل حياتية لا تكون واضحة للرئيس؛ لكن من المفترض أن يكون نائب الرئيس على خط متطابق تماما مع الرئيس، وإن لم يكن طلب الإعفاء أو تقدم باستقالته، إذا لم يتمكن من ذلك أو لم يعفه الرئيس، لزم الصمت المطبق.. لكن نائب رئيس الجمهورية على صبرى لم يفعل شيئا من هذا واختار طريق «المزايدة» وإحراج الرئيس.

قبل الخوض فى التفاصيل.. أين وقع الخلاف؟ وماذا كان موضوعه؟

الحديث ممتد..

 

Rochen Web Hosting