رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

التحسن الاقتصادى العالمي ليس قريبًا.. فما العمل؟

قسم : مقالات
الجمعة, 06 مايو 2022 10:41

مع انتهاء الاجتماعات السنوية للصندوق والبنك الدوليين منذ عشرة أيام، بدا واضحًا أن هناك إجماعا دوليا على أن الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الأوكرانية شديدة العمق ومستمرة لعامين على الأقل، وستؤدى إلى استمرار ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وتعثر التجارة وتباطؤ الإنتاج فى العالم.

 

دعونا، مع ذلك، نحاول ألا نتوقف عند تكرار التحديات والسيناريوهات القاتمة التى تهدد العالم–وبالتالى مصر–بل نتجاوزها إلى التفكير فيما تتيحه من فرص إيجابية يمكن أن يستفيد منها اقتصادنا القومى لو أحسنا إدارة الموقف رغم صعوباته التى لا يمكن إنكارها. ولا أقترح ذلك من باب التفاؤل غير المبرر، بل لأن كل أزمة تجلب معها فرصا لمن يكون مستعدا وقادرا على الاستجابة للمعطيات الجديدة بسرعة وكفاءة. والأزمة الراهنة لا تختلف فى ذلك، بل هناك–فى تقديرى–أربعة عوامل يمكن أن تعمل لصالحنا:

العامل الأول أن التراجع الأخير لسعر الجنيه (مضافا إلى تعويم عام ٢٠١٦ وما قد يلحقه مستقبلا) يمنح الصادرات المصرية ميزة كبيرة للمنافسة فى الأسواق العالمية ويتيح لمنتجى السلع والخدمات القابلة للتصدير دفعة جديدة.

والعامل الثانى أن فرصة جذب الاستثمار إلى مصر لا تزال هائلة، والعوائد التى من الممكن تحقيقها كبيرة، بسبب ضعف المنافسة المحلية، وكبر حجم السوق الوطنية، والتكلفة التنافسية للعمالة والطاقة، والموارد الطبيعية والمعدنية غير المستغلة، والبنية التحتية الحديثة لشبكة الطرق والكبارى، واستقرار الوضع الأمنى، ومرة أخرى بسبب تحسن تنافسية التصدير.

أما العامل الثالث فهو بدء تغير الخطاب الاقتصادى الرسمى على نحو ما أكده السيد رئيس الجمهورية فى حفل «إفطار الأسرة المصرية» الأسبوع الماضى، بالتأكيد على تشجيع الاستثمار والقطاع الخاص وتخارج الدولة من بعض الأنشطة الاقتصادية.

وأخيرًا، فإن العامل الرابع دولى، وهو أن الأسواق العالمية كما كانت فى أعقاب أزمة «الكورونا»، لا تزال تبحث عن تنويع لمصادر الإنتاج والتخزين والتوزيع حتى تتجنب مستقبلًا الاختناقات الخطيرة التى تعرضت لها فى العامين الماضيين بسبب التركز فى بلدان قليلة، وهو ما يمنح الفرصة لمصر لكى تستقطب جانبا من الصناعات والخدمات الباحثة عن موطن جديد.

هناك إذن ما يمكن الاستناد إليه للتقدم والاستفادة من الظروف العالمية رغم التوقعات بامتداد الأزمة الراهنة.

ولكن ما سبق لن يتحقق وحده، وبالتأكيد لن يتحقق لو بقينا فى إطار ذات السياسات الاقتصادية التى دفعت بنا إلى أزمتنا الحالية، بل إنه مشروط بتغييرات كبرى فى تلك السياسات لابد من اتخاذها عاجلا، وإلا دفعنا ثمن الغلاء والاضطراب الاقتصادى، ثم ضيعنا فى ذات الوقت الفرص المتاحة.

واكتفاء فى هذا المقال بما يدعم مناخ الاستثمار، أضع على رأس قائمة الإجراءات العاجلة إزالة قيود الاستيراد الأخيرة التى عرقلت دخول السلع الوسيطة ومستلزمات الإنتاج، واتخاذ ما يلزم لإقناع السوق المحلية والأسواق العالمية بمصداقية سعر الصرف، والتعامل بإيجابية مع طلبات الاستثمار المعلقة فى مجالات التعليم والصحة وغيرهما، والتى يؤدى تعطيلها فى الوزارات القطاعية إلى ضياع جهود الترويج، وإزالة ما يمكن من القيود الإجرائية التى تعطل حصول صغار المستثمرين على التراخيص والموافقات اللازمة لبدء النشاط فورا.

أما على المدى الأطول، فلابد من تغييرات جذرية فى السياسة الاقتصادية، ثم الإعلان عنها، ثم الالتزام بها. نحتاج لسياسة صناعية حقيقية تحدد توجه الدولة فيما ترى تشجيعه من صناعات وخدمات وأدوات تحفيزها وبرامج تطبيقها. ونحتاج لصدور ما يطلق عليه فى الإعلام «وثيقة دور الدولة فى الاقتصاد» وتضمينها لتوجهات واضحة والالتزام بها. ونحتاج شفافية أكبر فى التعامل مع الدين العام–المحلى والدولى–وضبط أولويات الإنفاق العام. ونحتاج للتمسك بتطبيق الضرائب المختلفة بكل الجدية والصرامة الممكنين، ولكن مع وقف الرسوم والمطالبات والتحصيلات غير المنصوص عليها فى القوانين والتى تستنزف جهد وموارد المنتجين الجادين.

مع كل أزمة تلوح فرص.. وبلدنا فيه من الفرص والإمكانات ما يخرجنا من هذه الأزمة واكثر.. ولكن الفرص لا تأتى لمن ينتظرها بل لمن يقتنصها.. والوقت ليس فى صالح من يتأخرون عن اقتناصها.

وكل عام وأنتم ومصر بخير.

 

Rochen Web Hosting