رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

مع زويل.. تحت مظلة الصداقة (2- 2)

قسم : مقالات
الخميس, 06 أكتوبر 2022 11:24

عندما أكتب عن أحمد زويل فإن ذاكرتى تتأرجح بين أحمد زويل الصديق وأحمد زويل العالم الفذ صاحب نوبل الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، فلقد كان حصوله على الجائزة العالمية الكبرى بمثابة اختراق مصرى جديد لعالم البحث العلمى والتكنولوجيا الحديثة، ويتساءل المرء لو أن أحمد زويل لم يغادر مصر وقام بالتدريس فى إحدى جامعاتها هل كان يحصُل على تلك الجائزة الكبرى ويذيع صيته فى أركان الدنيا كما حدث عندما أتم أبحاثه ونشر دراساته وكون مدرسة علمية تحت إشرافه، وكل ذلك فى الولايات المتحدة الأمريكية، هل كان يمكن أن يتحقق له ذلك لو لم يسافر طلبًا للعلم فى بلاد البحث الجاد والإمكانات الضخمة؟، إننى أظن أن الإجابة قاطعة، وهى أنه لو بقى فى مصر لكان أستاذًا مرموقًا بين عشرات من أمثاله، فالفرصة عندما تأتى لمن يحسن استغلالها وتحقيق أهدافه من خلالها فإنها تعطيه بسخاء ودون تردد.

 

وأنا شخصيًا أعرف العشرات من علمائنا الجادين بل والمرموقين فى مجالات البحث العلمى الذين لو حصلوا على الفرصة فى توقيتها الصحيح لكان لهم شأن غير الذى يعيشون فيه، ولقد كان أحمد زويل يردد أمامى دائمًا - بتواضع العالم ووطنية الباحث - أنه يرى أن القاعدة العلمية فى مصر هى رصيٌد نفاخر بوجوده، ونعتز بكوكبة العلماء المصريين فى الجامعات الحكومية الأم بل وفى الأقاليم أيضًا، وعندما تأتى الفرصة تبتسم الدنيا ويتألق المصرى فى أروقة المعامل العلمية المتقدمة ومراكز الأبحاث الحديثة ولدينا أسماء لامعة فى تاريخنا العلمى فى القرن الماضى وما بعده بدءًا من نموذج (على مشرفة) و(سميرة موسى) وهى تؤكد كلها أن ذكاء اليدين يكمل ذكاء العقل كما وصفه الجغرافى العظيم (سليمان حُزين)، لذلك فإن مصر تعتز بأبنائها فى الداخل وفى الخارج وترى أن النبوغ هو ميراث فرعونى سوف يظل مرتبطًا بها فى كل الظروف.

وقد زُرت، منذ سنوات قليلة، المركز القومى للبحوث فى القاهرة لكى ألقى محاضرة بدعوة كريمة من مدير ذلك المركز وكانت وزيرة البحث العلمى وقتها هى الأستاذة الدكتورة (نادية زخارى) وانبهرت بما رأيت وآمنت أن لدينا علماء كبار يعيشون فى الظل ويعملون فى صمت، وتبقى مسألة ذات أهمية كبيرة فى حياة العالم الفريد أحمد زويل وأعنى بها وطنيته الزائدة التى لم يفقدها فى زحام الحياة الأمريكية والأجواء الدولية، وظلت تجرى فى دمائه طوال حياته، فالرجل الذى عشق أم كلثوم فنًا وأحب مصر وطنًا وآمن بأنه إذا كان العلم لا وطن له فإن للعلماء أوطانهم مهما طالت الرحلة وصعب المشوار.

لذلك قلق من زويل فى زيارته كثير من المسؤولين، وحسبه البعض منافسًا فى كل المواقع لأن اسمه الدولى كان يعطى مؤشرات بإمكانية أحمد زويل فى أن يلعب دورًا سياسيًا مرموقًا، وأظن أنه كان لديه طموح فى أعماقه لخدمة وطنه، ولذلك فإنه ما إن وقعت أحداث 25 يناير 2011 حتى أطل علينا ذلك الابن البار لمصر من شاشة التلفاز مقدمًا مشروعه للإصلاح فى السياسة والحكم وكيفية استثمار ما جرى لخدمة الوطن فى تلك الظروف الصعبة التى اجتازتها مصر.

اقرأ أيضاً...

وتركت بصماتها على وجه الوطن حتى اليوم، وذهبت الصحف أحيانًا إلى تلك النقطة وتحدث البعض عن المقارنة بين دعوة إسرائيل لعالم الذرة الكبير (أينشتاين) لكى يقبل منصب رئيس الدولة العبرية قُبيل وفاته، وكيف أن القياس يمكن أن يمضى فى حالة أحمد زويل مصريًا على غرار ما فكر فيه قادة إسرائيل لاستثمار الاسم الكبير (أينشتاين) فى الترويج لدولتهم فى ظل ظروفها التى تحتاج فيها إلى اسم لامع ينظف تاريخها ويعطيها المكانة اللائقة مع الفارق بالطبع بين الحالتين.

وبهذه المناسبة أتذكر الآن ما قاله لى ذات يوم فى العاصمة النمساوية عندما كنت سفيرًا لمصر فى فيينا ومندوبًا دائمًا لها فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية لقد قال لى مديرها وقتها (هانز بليكس): إن بلدكم أقدر من غيره على دخول عالم الطاقة النووية بحكم القاعدة العلمية الكبيرة التى تمتلكونها، وأشرنا فى ذلك الحديث إلى بعض العلماء المصريين فى ذلك المجال، وجدير بالذكر أن (هانز بليكس) قد تولى منصبه فى الوكالة لمدة خمسة عشر عامًا بعد أن كان وزيرًا لخارجية السويد.

إن تذكُرنا لأحمد زويل- الذى لا يغيب عنا أبدًا - يؤدى بنا إلى فتح ملفات البحث العلمى فى فروعه المختلفة وإيقاظ الرؤية المصرية ونحن فى عصر الصحوة نقف على مشارف النهضة الكبرى بيقين وثبات كما كان يريد لنا ابن مصر البار الراحل أحمد زويل.. رحمه الله.

Twitter:DrMostafaElFeky

 

Rochen Web Hosting