رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

مهام الملك فى مصر القديمة

قسم : مقالات
الخميس, 06 أكتوبر 2022 11:35

 

 

كان الملك فى مصر الفرعونية هو ممثل القوة الإلهية التى تسيطر على كل شؤون البلاد صغيرها وكبيرها؛ فهو ملك مصر العليا والسفلى يساعده وزير للشمال وآخر للجنوب، إضافة إلى حكام الأقاليم ومجموعة من كبار الموظفين المسؤولين عن متابعة شؤون البلاد ومشروعات الدولة، كل فى تخصصه، والكل يرفع تقاريره لمن هو أعلى منه فى المرتبة الوظيفية، حتى ينتهى الأمر بتقرير يومى يرفع إلى الملك الذى كان عليه التوجيه والحكم بما لديه من سلطة مطلقة. وهكذا استطاعت مصر أن تبنى أول جهاز إدارى محكم لإدارة الدولة المصرية فى العالم القديم، ويعود الفضل فى بناء مصر القديمة إلى سبب جوهرى لا ينتبه له الكثيرون وهو العلم وليس غيره. فالكتبة وهم عصب الجهاز الإدارى فى مصر القديمة لم تكن القراءة والكتابة وحدها هى كل مهاراتهم المؤهلة لوظيفة الكاتب، وإنما شملت علوم الحساب والقياس التى ساعدتهم على عمل الحسابات الضريبية وتقديرها وجمعها، وكذلك حساب مستوى الفيضان وقياس الرقعة الزراعية فى زمام كل مدينة وقرية مصرية، وضبط حسابات الشون وما بها من غلال ومحاصيل.

 

اقرأ المزيد ..

حكم الملك بوصفه إلها على الأرض، ولكن كان هناك شروط وواجبات لا بد له من إتمامها لكى ينجح ويستحق أن يبعث بعد موته إلهًا فى العالم الآخر، ومن تلك الشروط، بل أولها أن يرسى قواعد الماعت وأن يحكم بمقتضاها. والماعت ببساطة هى تجسيد لقانون الحق والعدل والنظام. هذا القانون الذى اعتبر قانونًا أزليًا عند قدماء المصريين لا يبدل ولا يتغير هو المقابل للفوضى، فإذا اختل ميزان الماعت كما عبر الحكيم المصرى القديم إيب ور انتشرت الفوضى وساد الفساد وصار المرء لا يأمن الخروج من بيته والذهاب إلى حقله. وبالتالى كان الملك يؤكد على ضرورة أن يحكم وزراؤه وممثلوه بالحق والعدل وأن يقيموا النظام فى الدولة. ولحسن الحظ توجد لدينا أهم وثيقة من عصر الملك تحوتمس الثالث الملقب باسم «نابليون العصر القديم»، وإن كنت أنا شخصيًا أعتبره أفضل ألف مرة من نابليون لكونه لم يتلق هزيمة قط فى حياته ولم يخسر معركة واحدة سواء كانت حربية أو تنموية. كان النجاح حليف هذا الفرعون طيلة حياته التى تحولت مصر فيها من دولة عظمى إلى إمبراطورية تحكم العالم القديم كله. نعود إلى قصتنا مع هذا الملك والماعت، فلقد سجل وزيره رخميرع على جدران مقبرته الشهيرة (رقم ١٠٠) فى البر الغربى بالأقصر وصايا وتعاليم الملك تحوتمس الثالث له عند تقلده منصب الوزارة، أو ما يمكن تسميته بالتكليفات التى تلقاها رخميرع عند تنصيبه وزيرا من الملك تحوتمس الثالث، وفيها يوصيه الملك بأن يحكم بين الناس بالحق والعدل، وأن يقيم النظام، ولم يكتف الملك بالنصيحة بل أعطى وزيره كذلك الطرق التى بها يستطيع تحقيق العدل وإقامة النظام.

اقرأ أيضًا ..

كان من المهام الرئيسية للملك الحفاظ على أمن مصر وحمايتها من طمع الأعداء وتهديداتهم سواء لحدود مصر أو للقوافل التجارية وبعثات التعدين المصرية فى الصحراء. وكان على الملك كذلك مسؤولية تنمية ثروات مصر ورفاهية أهلها، والتى كانت تقاس فى ذلك الوقت بالقدرة على تكوين الأسرة وتوفير المسكن والمأكل والمشرب وذلك من خلال عمل أو صنعة تدر دخلًا للأسرة. ولولا وجود نظام اقتصادى ناجح ما استطاع ملوك مصر الفرعونية بناء وتشييد تلك العمائر المعجزة التى لا تزال تبهر الناس فى كل مكان على الأرض إلى يومنا هذا. ولا نحتاج إلى دليل على كون مصر بلدا غنيا بالموارد والطاقات التى نجح الفراعنة فى استغلالها وشيدوا بها حضارتهم العظيمة. ولا يجوز الاستهانة بمدى تعقد النظام المالى لمصر الفرعونية فيكفى أن نقول بأن الملك كان مسؤولًا عن استمرار الخدمة الدينية فى مئات المعابد والمقاصير المنتشرة فى طول البلاد وعرضها وبها يخدم آلاف الكهنة من مختلف الطوائف ومعهم الكتبة والنجارون والخبازون والفنانون من نحاتين ورسامين وعمال وخدم. ونفس الأمر كذلك بالنسبة للصرف على المنشآت الجنائزية من مقابر ومعابد جنائزية للطقوس والخاصة بمئات بل آلاف من الأسلاف. وتكاد تكون مصر البلد الأول فى العالم التى عرفت نظام الوقف الجنائزى وكذلك الوقف الدينى أو الخيرى.

ومن الأخطاء الشائعة فى الفكر الجمعى للناس أن كلمة فرعون هى مرادف للقهر والطغيان والظلم!، والحقيقة التى لا يمكن إنكارها أو نفيها هى اتصاف بعض الملوك بذلك لكن لا يمكن أن يكون كل فراعنة مصر بهذه الصفات أو حتى نصفهم أو ربعهم لسبب بسيط وهو أن الظلم والقهر لا يبنيان دولة ولا يقيمان حتى قرية صغيرة فما بالك ببلد كمصر وحضارة كالحضارة المصرية التى عاشت واستمرت لآلاف السنين؟، لم يكن من الممكن أن تقوم مصر وتستمر لولا أن الحق والعدل والنظام كانوا هم أساس هذه الدولة. لقد أشارت النقوش والكتابات القديمة إلى كثير من الصفات الحميدة لملوك مصر بل لقد بقيت ذكرى بعضهم لآلاف السنين عالقة فى قلوب المصريين مثل الملك زوسر وسنفرو وغيرهما. وهناك إشارات على حسن معاملة الملوك لموظفيهم بل لمعلميهم ومربياتهم وصلت للسماح لهم بعمل مقابر ضخمة لأنفسهم وتصوير الملك على جدرانها وهو طفل أو شاب يتعلم على أيديهم.

كان للملك الحرية فى الزواج والحرية فى اقتناء الحريم، ولكن كانت هناك دائمًا زوجة واحدة فقط هى من يطلق عليها الزوجة الرئيسية والتى كثيرا ما كانت من دم ملكى كامل، وأحيانا تكون أختا غير شقيقة للملك وذلك للحفاظ على وجود الدم الإلهى الكامل فى حورس أو الوريث الشرعى للملك بعد وفاته. وفى الحقيقة أن كثرة الزوجات وكثرة الأبناء الذكور كثيرًا ما كانت وبالًا على الحكم حيث النزاعات بين الزوجات وبين الورثة والتى أدت أحيانًا إلى حوادث مفجعة بقتل الوريث الشرعى أو حتى التآمر على حياة الملك نفسه، كما تؤكد بردية مؤامرة الحريم من عصر الملك رمسيس الثالث الذى راح ضحية لمؤامرة دبرتها له زوجته وبعض حريمه وخدمه. كما أن ندرة الزوجات وعدم وجود الوريث الذكر للعرش أدت إلى نشوب النزاعات وانتقال الحكم من أسرة إلى أخرى، وظهرت فى حالات نادرة نساء يحكمن بدلا من الرجال ومنهن نعرف أربعا طوال التاريخ المصرى القديم لعل أشهرهن جميعًا هى الملكة العظيمة حتشبسوت التى حكمت مصر خلال عصر الأسرة الثامنة عشرة بعد وفاة زوجها وأخيها غير الشقيق تحتمس الثانى، ولم تكن قد أنجبت له سوى طفلة صغيرة بينما الملك المتوفى كان له ابن ذكر من زوجة ثانوية هو الأمير تحوتمس وكان من المتوقع أن تقوم حتشبسوت بتزويج ابنتها الأميرة نفرو رع ذات الدم الملكى الكامل من ابن زوجها الأمير تحوتمس لكى تعطيه الحق فى تولى العرش، ويبدو أن الملكة حتشبسوت رأت أنها ومنذ البداية كانت الأحق بالحكم من زوجها تحتمس الثانى وأن الفرصة قد جاءتها بعد وفاته فاستقلت بالحكم ونصبت نفسها ملكة على البلاد، ووقع الكهنة والفنانون فى ورطة كيف يكون لديهم حورس إنثى وليس ذكرًا على العرش؟، وتغلب الكهنة من جانبهم على المعضلة باختراع قصة الميلاد الإلهى حيث زعموا أن حتشبسوت هى ابنة الإله أمون رع الذى تجلى لأمها فى هيئة بشر وبشرها بحملها منه فى ابنته حتشبسوت والتى سيهب لها ملك مصر حين تكبر. ومن ناحية الفنانين فلم يكن أمامهم سوى تصوير حتشبسوت كملك بكامل هيئة الملوك وشاراتهم وتيجانهم وإن احتفظت بملامح وجهها الأنثوى الجميل.

وأخيرًا نأتى إلى شخصية الملك نفسه وكيف كانت تؤثر فى وضع مؤسسة الملكية بالسلب والإيجاب، فالملوك الأقوياء كانوا يرسخون من قيمة الملكية وقوتها وهيبتها والعكس صحيح. ومما لا شك فيه أن عصورا مثل عصور زوسر وسنفرو وخوفو كانت هى أوج الملكية فى مصر القديمة. وخلال النصف الأول من الأسرة الثامنة عشرة كانت الملكية قد وصلت إلى أوج قوتها ومكانتها ثم تلقت هزة عنيفة بتولى الملك أمنحوتب الرابع الحكم وقيامه بثورة دينية ضد كل الآلهة، والدعوة إلى إله واحد هو أتون وتسمية نفسه بأخناتون بمعنى المخلص لأتون. لم يكتف أخناتون بذلك بل قام بكسر كل القواعد والتقاليد الملكية السابقة وأصبح الملك يصور وهو يداعب بناته ويلاعبهن بل وهو يقبل زوجته ويصحبها معه فى جولاته وفى عبادته لأتون. والغريب أن نشاهد العائلة الملكية وهى تحتفل معا وتحزن معًا لفراق فرد من أفرادها. فعل أخناتون كل ذلك بدعوى أنه «عنخ ام ماعت» بمعنى العائش فى الحقيقة، لكنه بقصد أو بدون قصد كان يهد ثوابت مؤسسة الملكية التى تأسست بمصر قبل أن يولد بآلاف السنين، وسيحتاج خلفاؤه عقودًا طويلة لترميم وإصلاح ما حدث لتلك المؤسسة خلال عهده الذى سماه رمسيس الثانى بعصر «الطاعون»، وصارت تل العمارنة أو أخت أتون عاصمة مصر خلال عصر أخناتون مدينة محرمة من بعده، هجرت وللأبد وكأنها بالفعل كانت أرض الوباء أو الطاعون كما وصفت بذلك فى عصر رمسيس الثانى.

 

Rochen Web Hosting