رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

قمة الجزائر.. بين الحنين إلى الماضى وتحديات الحاضر

قسم : مقالات
الجمعة, 11 نوفمبر 2022 17:05

رغم أنها كانت القمة العربية الوحيدة منذ سنوات ورغم أن عددا من القادة العرب اعتذر عن الحضور ورغم أنها تجيء فى فترة عصيبة من تاريخ الشعوب العربية فإنها حملت الكثير من عبق زمان مضى .. إنها تقام على ارض الجزائر وهى تحتفل بذكرى ثورتها ومازالت دماء شهدائها تطوف على تراب الأرض الطيبة ولا يوجد مواطن عربى لا يحمل فى وجدانه ذكرى لهذه الملحمة التاريخية .. لقد بذل الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون جهدا كبيرا لكى يجمع الصف العربى تحت شعار «جمع الشمل والأمن الغذائى العربى»

 

 

ـــ كان الشيء المؤسف أن القمة تجيء بينما تعيش معظم الشعوب العربية فترة من أصعب الفترات انقساما واحتلالا ودمارا .. إن الحروب الأهلية دمرت أجزاء عزيزة من التاريخ فى اليمن والعراق وسوريا والسودان وليبيا ومازالت هذه الدول تعانى أمام انقسامات غيرت الشعوب وأطاحت باستقرارها ودمرت مواردها .. ولم يكن غريبا أن تعود حشود الاحتلال الأجنبى إلى دول دفعت الدماء ثمنا لاستقلالها وحريتها وبدأت جيوش الاحتلال تمارس كل ألوان النهب فى ثروات شعوب عربية شقيقة فى سوريا وليبيا والعراق..

ـــ لاشك أن هذه الغيوم طافت حول أصحاب القرار فى قمة الجزائر بينما كانت هناك أزمات أخرى فرضت نفسها فى مقدمتها الأمن الغذائى الذى يهدد أكثر من شعب وأكثر من دولة .. إن أزمة الطعام التى تهدد العالم كله أصبحت واحدة من اخطر التحديات التى تهدد الملايين من الشعوب العربية .. ولم يكن غريبا أن تكون لها الأولوية فى جدول الأعمال وأن يحرص السيد أحمد أبو الغيط، أمين عام جامعة الدول العربية على أن تضع القمة قضية الأمن الغذائى فى صدارة أعمال المؤتمر..

ـــ دارت فى الأفق وفى أكثر من حديث كلمات عن القومية العربية ووحدة الصف العربى وقد توقف الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته عند ضرورة التعاون العربى فى هذه الظروف التى تعيد للذاكرة العربية أحلام الوحدة والتعاون والتضامن العربى فى كل المجالات.. كانت القمة العربية ضرورة والعالم يواجه كل هذه التحديات .. إن الاقتصاد العالمى يواجه الأزمات فى كل شيء ابتداء بالحرب وانتهاء بالطعام ومع هذا كوارث الأوبئة والأمراض وفى مقدمتها كورونا الذى حصد ملايين البشر وكل العالم يعانى التضخم وارتفاع الأسعار.. ولا شك أن الشعوب العربية تعانى هذه الأزمات وهناك شعوب أرهقتها الحروب ودمرت كل ما فيها وهى تحتاج إلى أموال كثيرة لتعود كما كانت ..

ـــ إن الدول العربية أحوج ما تكون الآن للتعاون حتى لا يسقط بعضها فى المجاعات والمخاطر التى تهدد وجودها .. كانت لدى الشعوب العربية أحلام كثيرة فى جمع الشمل ولكن الحلم يبدو صعبا وبعيدا أمام الاحتلال والحروب والدمار الذى تعرضت له بعض هذه الدول. قد تبدو نتائج القمة اقل مما حلمت به الشعوب ولكنها فى حدود الظروف الدولية والمتاح أمام أصحاب القرار تبدو انجازا إن قضية واحدة وهى الأمن الغذائى يمكن أن تهدد حياة الملايين ولو أن الدول العربية اجتمعت حول هذه القضية فى هذه الظروف الدولية فإن فى ذلك بعض الضمانات نحو مستقبل أكثر آمنا..

ـــ كانت الأحلام كبيرة وإن جاءت الإنجازات اقل بكثير مما توقع الشارع العربى وإن كانت قضية فلسطين فى مقدمة توصيات القمة وتوقف المؤتمر عند عدوان إسرائيل على مدينة القدس وحصار غزة وتوقفت التوصيات عند المطالبة باستقرار الأوضاع فى لبنان واختيار رئيس الجمهورية .. كانت أزمة مياه النيل وسد النهضة مع إثيوبيا وضرورة توقيع اتفاق ملزم لضمان حقوق مصر والسودان من أهم توصيات القمة وإن كان المطلوب أن يكون الموقف العربى أكثر حسما فى قضية مياه النيل..

ـــ هناك أيضا قضية القوات الأجنبية فى ليبيا وسوريا والعراق، لأن ذلك تهديد للشعوب العربية واستغلال لمواردها، كما حدث فى العراق وليبيا، قضايا أخرى، ناقشها المؤتمر حول السلام فى اليمن والصومال وجيبوتى، اقتربت القمة من كل هذه الأزمات وان بقيت دون قرار حاسم، كان الأمن الغذائى والأمن القومى العربى أهم ما خرجت به توصيات القمة وإن بقيت أزمات أخرى ليست اقل خطورة حول الاحتلال وأزمة البترول وسد النهضة وكلها قضايا تهدد الإنسان العربى وجودا ودورا ومكانة .. وكان هناك اتفاق حول مواجهة قضية الإرهاب الذى يهدد أمن الشعوب واستقرارها..

ـــ يبقى بعد ذلك أن الشعوب العربية سوف تبقى على عهدها مع بيت العرب، ربما عادت الأيام وأطلت علينا من جديد وتصبح قضايا الأمة فى مقدمة أولوياتها دورا ومسئولية.. ربما لم تحقق القمة كل أحلام الشعوب أمام ظروف دولية صعبة وانقسامات داخلية وحروب أهلية واحتلال غاشم، ولكن المؤكد أن لقاء أصحاب القرار وما دار من مناقشات والتوصيات التى خرجت من المؤتمر كل ذلك يفتح أبواب الأمل أن المستقبل سوف يكون أكثر أمنا واستقرارا..

ـــ كما قلت فإن قمة الجزائر أعادت للشعوب العربية شيئا من ذكريات قمم سابقة توحدت فيها إرادة الشعوب .. قد تكون عودة الماضى امرا صعبا ولكن أمام ما يشهده العالم العربى من مشاكل وأزمات وما تشهده الدول من الانقسامات يبقى الحلم فى وحدة القرار العربى من اجل استعادة الأرض وتحرير القدس وإقامة انتخابات حرة فى ليبيا وعودة القرار العراقى إلى شعبه وقبل هذا كله الأمن القومى العربى الذى أصبح مهددا من إسرائيل وإيران وغيرهما وإن كان الانقسام العربى حول التطبيع مع الكيان الصهيونى سيبقى مجالا للخلاف بين الدول العربية وربما كان ذلك من أخطر ما واجهت قمة الجزائر. علينا ألا نبالغ فى الانجازات والواجب أن نعترف بأن ما حدث أفضل بكثير من حالة من الجمود لا تتناسب مع المخاطر التى تعيشها هذه المنطقة من العالم..

ـــ قد تكون الأزمات التى يعيشها العالم العربى فى حاجة إلى مواقف أكثر حسما أمام أزمات دولية تفرض نفسها على العالم، خاصة أن البترول ثروة العرب الأولى مهدد فى مناطق كثيرة من قوى دولية فقدت صوابها ويمكن فى أى لحظة أن تغامر وتتخذ مواقف أكثر جنونا وتصبح مناطق إنتاج البترول مصدرا لأطماع أكثر خاصة أن المعارك بين روسيا وأوكرانيا لم تهدأ بعد .. لقد انتهت قمة الجزائر بما لها وما عليها، المهم أن نتعلم من درس الجزائر حتى نصل إلى قمم عربية أفضل..

Rochen Web Hosting