رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

تنظيم غير منظم

قسم : مقالات
الأحد, 27 نوفمبر 2022 21:00

سبق قانون تنظيم الصحافة قوانين يوليو الاشتراكية بعامين. قانون التنظيم كان سنة ١٩٦٠، حيث كانت مصر في وضع سياسى جيد، كانت الوحدة مع سوريا قائمة وكانت لا تزال ناجحة، ولم نكن قد تورطنا بالتدخل العسكرى في اليمن، لم يكن الوضع الاقتصادى جيدًا، لكن لم تكن هناك أزمات حادة، وكانت الصحف جميعها مؤيدة وداعمة لسياسة الدولة وللرئيس عبدالناصر شخصيًّا، كانت كلها تتسابق في إظهار التأييد والتقدير له، لذا فإن القول السائد أن عبدالناصر كان ممتعضًا من الصحف والصحفيين أو بعضهم بحاجة إلى المراجعة، خاصة أن عبدالناصر سبق له أن كلف بعض الصحفيين بعدد من المهام الدبلوماسية، لم يكن هيكل ومصطفى أمين وحدهما، كما هو شائع، كان هناك غيرهما، فقط هيكل ومصطفى ذكر كل منهما بعض ما كُلف به، فعرف الرأى العام.

 

ويحلو لكثير من الصحفيين القول إن مانشيت جريدة «الأخبار»، الخاص بإلقاء القبض على السفاح، يليه مباشرة مانشيت عن أن عبدالناصر في باكستان، كان السبب المباشر.

هواة الصيد في الماء العكر زعموا أن هناك قصدًا مبيتًا من الجريدة- مصطفى أمين تحديدًا- بإسقاط معين أو تهكم خفى على الرئيس، والحق أن عبدالناصر لم يكن بهذا القدر من السذاجة ولا التفاهة، فضلًا عن أن علاقته بالأخوين أمين كانت جيدة جدًّا وقتها، ومن ثَمَّ ليس واردًا أن تكون نيتهما كانت نحو الإساءة المبطنة لعبدالناصر. قال عبدالناصر، بعد إلقاء القبض على مصطفى أمين، صيف سنة ١٩٦٥، لينفى أي بُعد شخصى في القضية: «لقد كان التأييد يأتينى منه فوق ما أطلب». منذ ٢٣ يوليو، كانت «الأخبار» و«أخبار اليوم» من أقوى المدافعين والمؤيدين بحب لعبدالناصر، وجدنا إحسان يختلف مرة مع مجلس قيادة الثورة، هيكل أثار الغضب مرة، وتم توجيه لوم حاد إليه، طبقًا لشهادة زميله، تلميذه، صلاح منتصر، حتى زملاء عبدالناصر الذين شغلوا مواقع صحفية، أثاروا استياءه أحيانًا، حدث ذلك مع ثروت عكاشة حين تولى مبكرًا رئاسة تحرير مجلة «التحرير»، كذلك حدث مع صلاح سالم حين تولى «الجمهورية»، لكن لا نعرف أن ذلك حدث مع «أخبار اليوم»، كان الأخوان أمين من الحرفية والذكاء أنهما تجنبا إغضاب الرئيس، خاصة بعد الوشاية التي تعرضا لها يوم ٢٣ يوليو ٥٢.

من أحاديث هيكل وإحسان عبدالقدوس نعرف أن الانشغال بتنظيم الصحافة كان سابقًا على ذلك «المانشيت»، وهناك اعتبار مهنى، وهو أن حكاية السفاح كانت تشغل الرأى العام بقوة، إلى حد أن حكايته ألهمت نجيب محفوظ بواحدة من روائعه «اللص والكلاب». لو أن عبدالناصر غضب من المانشيت لتعامل بأسلوب آخر، لكن صدور قانون بهذا الشكل يعنى أن هناك إعدادًا له وتفكيرًا فيه استغرق شهورًا.

باعتراف إحسان عبدالقدوس أنه دفع في اتجاه إصدار القانون، وضغط كى تضع الدولة يدها على المؤسسات الصحفية، كانت مؤسسته على وشك الانهيار المالى، وكان ضمان الحفاظ عليها أن تتدخل الدولة وتتولى المسألة برمتها، هيكل من جانبه ذكر أن الرئيس عرض المشروع عليه، وأبدى بعض الملاحظات والتحفظات، فاستجاب الرئيس لها كلها.

رجل الإدارة الراحل، د. سيد أبوالنجا، أشار، في مذكراته وبعض كتاباته، إلى أن الوضع المالى في «أخبار اليوم»، سنة ١٩٦٠، لم يكن في أفضل أحواله.

وقد استمعت إلى شهادة عدد من قدامى الزملاء الذين عاصروا تلك الأيام، بأنهم سعدوا بالقانون لأن فيه تأمينًا لهم من الفصل ومن أوضاع مالية غير آمنة.

بعد صدور القانون تبين أنه لم تكن هناك دراسة كافية لكيفية التطبيق ومشاكل ما بعد التطبيق، خاصة الفصل الحاد بين الإدارة والتحرير، هذا الفصل لم يكن معروفًا من قبل ولا معمولًا به في الصحافة المصرية، ولم تكن هناك مشاكل كبيرة، كان المُلّاك يتولون الإدارة والتحرير، فإذا أعيى أحدهم الأمر استعان باسم كبير، مقبول من القراء، يتولى التحرير، وجدنا ذلك بوضوح في «دار الهلال» مع نجلى جورجى زيدان، إميل وشكرى، حيث كانا يستعينان بفكرى أباظة، رئيس تحرير المصور، منذ تأسيسها سنة ١٩٢٤، في مجلة الهلال استعانا بمدير تحرير، لديه سلطات رئيس التحرير تقريبًا، هكذا كان سلامة موسى، قبل أن يتشاجر مع إميل وشكرى زيدان، ثم طاهر الطناحى، الذي يُعد علامة بارزة في الصحافة الثقافية والأدبية.

في جريدة الأهرام كان هناك أمر مشابه، وكان العمل يتم في تعاون تام، وجدنا خليل مطران، الشاعر المتميز والمترجم، «شاعر القطرين»، رئيسًا لتحرير الأهرام، وكذلك أحمد الصاوى محمد، لكن منذ سنة ١٩٦٠، مع صدور قانون التنظيم، حدث الفصل التام، الأمر الذي أدى إلى صراعات ومكابدات كثيرة، ما عرقل عمل بعض المؤسسات أحيانًا، وكانت الدولة تكتشف ذلك، وتحاول أن تتجاوزه بالجمع بين الإدارة والتحرير، لكن ذلك كان يحدث بإسناد الموقعين إلى اسم واحد، مع إبقاء الفصل قائمًا. جمع شخص واحد للمنصبين لم يكن ناجحًا دائمًا، إذ أدى إلى المزيد من النفوذ للفرد الواحد، على المدى البعيد. نتجت كثير من السلبيات لجمع الموقعين في قبضة واحدة.

هناك مشاكل وأزمات أخرى وقعت، أخطرها أن طبيعة وشخصية كل مؤسسة لم تُحترم، وحدثت تجاوزات عديدة لأبسط القواعد المهنية والمؤسَّسية، مثلًا فكرى أباظة، رئيس تحرير مجلة المصور، أحد أقطاب مؤسسة دار الهلال، يكلف سنة ١٩٦٠ بأن يكون رئيسًا لمجلس إدارة الأهرام، إلى جوار عمله في المصور، ويظل كذلك حتى سنة ١٩٦١، وهو يتململ. المفترض أن لكل مؤسسة خصوصيتها وشخصيتها، فضلًا عن أسرارها بالنسبة للمنافسين. وضع ليس صحيحًا إداريًّا ولا صحفيًّا أن تكون رئيس مجلس إدارة مؤسسة صحفية ورئيس تحرير مطبوعة أخرى!!!.

كان فكرى أباظة، ابن الحزب الوطنى، حزب مصطفى كامل، لم يتحول عنه، بينما الأهرام كانت تاريخيًّا تبتعد عن الحزبية والانتماء إلى حزب بعينه، ولم يكن فكرى أباظة رجل إدارة يومًا، هو كاتب موهوب، خطيب مفوه، متحدث في الإذاعة، قادر على اجتذاب المستمعين بقدر من الفكاهة مع العمق والجدية، هو أبعد ما يكون عن أن يتولى موقعًا إداريًّا فقط. وكان من المقرر أن يتعاون مع رئيس التحرير، محمد حسنين هيكل، وكل منهما من موقع ومدرسة صحفية وسياسية مختلفة. موقف محرج ومعوق للجميع.

أسهمت شخصية ورصانة فكرى أباظة، فضلًا عن تفهم المسؤولين بالأهرام، في تجاوز ذلك الموقف.

تكرر الأمر في مؤسسة «دار الهلال»، حيث انتقل الأستاذ على أمين يتولاها، ولنا أن نتخيل مجلة الهلال، ذات العمق الثقافى والأدبى، مجلة أدبية متخصصة، من بين كُتابها المؤرخ شفيق غربال والجغرافى د. محمد عوض محمد وبنت الشاطئ، فضلًا عن العقاد، وغيرهم، يتولاها على أمين، أحد رموز صحافة الخبر والمقال القصير جدًّا، احتفظ على أمين بمدير تحرير الهلال العتيد «طاهر الطناحى»، لكن بصمات على أمين كانت واضحة، هذه التركيبة لم ترفع التوزيع، ومَن يراجع الأعداد يشعر أن في المجلة روحين. وقتها أراد مصطفى أمين أن يصدر جريدة الهلال، ونقل معه عددًا من شباب أخبار اليوم، في النهاية انتبه عبدالناصر إلى خطورة ما يجرى، فعاد فكرى أباظة إلى دار الهلال كاملًا، ورجع الأخوان «أمين» إلى دارهما.

الأمر أوضح، وكان كارثيًّا في أخبار اليوم. الجريدة وضع مؤسسوها أركانها لتكون على غرار النموذج الأمريكى في الصحافة، فضلًا عن تبنى كثير من الأساليب والقيم الأمريكية في السياسة خاصة، لكن بعد التنظيم دُفع إليها بقيادات ماركسية، نظريًّا وفكريًّا، أي قيادات بأفكار وأساليب مناقضة تمامًا لما قامت عليه المؤسسة، بدا الأمر وكأن هناك غارة على المؤسسة، وهذا وضع ظالم للطرفين، لا يُتوقع معه أن يكون الأداء الصحفى في أفضل أحواله، بدا الأمر وكأن المقصود تحويل شخصية وبنية مؤسسة ما إلى تكوين مغاير، في كل شىء، الأفكار والأسلوب، الأصل لدى الصحيفة الخبر المثير، لكن مع القيادات الجديدة يتراجع الخبر مسافات مع تجنب تام للإثارة، كثير مما قامت عليه المؤسسة مرفوض ومُدان بالمطلق في الأفكار الماركسية وحتى اليسار غير الماركسى، يحدث ذلك تعسفيًّا ومن أعلى وليس بناء على رغبة وقناعة العاملين بها، كثير من المؤسسات في العالم يحدث تطوير لها أو تحول في دورها، لكن ليس بهذه الطريقة ولا على هذا النحو.

في أحيان أخرى كان الأمر يبدو أو يأخذ شكل الرغبة الشديدة في إحداث تحول حاد وعنيف في مسار مطبوعة ما، وقد يأخذ طابع المكيدة، وربما الانتقام، من ذلك ما جرى في مؤسسة الأهرام سنة ١٩٧٤، فور مغادرة أو إقالة هيكل من موقعيه بالأهرام، رئيس التحرير ورئيس مجلس الإدارة، حيث تم تعيين على أمين مكانه، بدرجة مدير تحرير، فيما بدا أنه تريث من الرئيس السادات في الدفع به رئيسًا للتحرير، وربما اختاره السادات للعلاقة الودودة بين هيكل وعلى، فُهم الأمر في الأهرام أنه انتقام منهم ومكايدة متعمدة من الرئيس السادات في حق هيكل، باختصار لم يتقبلوا على أمين ولم يتعاونوا معه، فلم ينجح، رغم كفاءته وتاريخه المهنى، ما اضطر الدولة إلى إعادته إلى أخبار اليوم.

 

Rochen Web Hosting