رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الجماهير والمؤامرة

قسم : مقالات
الأحد, 30 أبريل 2023 21:19

اختلفت التسميات لما وقع فى مصر ابتداء من يوم 25 يناير ٢٠١١ وصولًا إلى تخلى الرئيس الراحل حسنى مبارك عن الحكم فى 11 فبراير، وانتهاء بتولى جماعة حسن البنا الحكم فى 30 يونيو ٢٠١٢، حيث صار د. محمد مرسى رئيسًا للجمهورية.
قطاع كبير من المواطنين اعتبروها ثورة، بلغ الحماس بأستاذ جامعى لامع إلى القول، على إحدى الفضائيات العربية، إنها أول ثورة شعبية فى تاريخ المصريين، وإن مصر تشهد أول تمرد على الفرعون، ورغم تميزه فى تخصصه لكنه يجهل تمامًا تاريخ مصر.

هناك مَن تواضع فى التسمية، وقال إنها انتفاضة، ثم جرى تواضع أكثر، وقيل إنها «حراك» فقط.

فى المقابل، هناك مَن اعتبرها مجرد «مؤامرة»، وتباين حجم وعمق المؤامرة لدى هؤلاء، بيننا مَن يعدها مؤامرة كبرى على مصر لإضعافها عن القيام بأى دور فى المنطقة وشغلها بمعارك داخلية لا تنتهى، هناك مَن يصرون على أن كل ما جرى فى المنطقة العربية، بدءًا من إحراق الشاب التونسى «بوعزيزى» نفسه، مؤامرة ضد المنطقة كلها لبناء الشرق الأوسط الكبير.

وهنا يتوجه أصبع الاتهام مباشرةً إلى إسرائيل والولايات المتحدة؛ ثم تنازل البعض وقالوا إنها مؤامرة أمريكية على الرئيس مبارك شخصيًّا وعقاب له لأنه لم يكن يوافق على كل ما تريده منه الإدارة الأمريكية، وإنه رفض شيئًا كبيرًا لهم، دون محاولة معرفة أو حتى تخمين ذلك الشىء، هنا حضر إلى أذهان الكثيرين نموذج شاه إيران محمد رضا بهلوى سنة ١٩٧٩، حين أطاح به آية الله خمينى.

دعمت إدارة الرئيس جيمى كارتر وقتها الإطاحة بالشاه، رفضوا حتى استبقاءه للعلاج، وجرى مجددًا اجترار علاقات ومواقف الإدارات الأمريكية مع الرئيس العراقى صدام حسين منذ توليه السلطة أواخر السبعينيات ثم إسقاط الدولة العراقية سنة ٢٠٠٣ وحتى إعدامه المشين فجر عيد الأضحى فى ٢٠٠٦، وتواصلت سردية المؤامرة والاتهام إلى القول إن الولايات المتحدة كانت وراء اغتيال السادات نفسه سنة ٨١، بل (دس السم) للرئيس عبدالناصر.

فريق من أتباع نظرية المؤامرة أخرجوا الولايات المتحدة وإسرائيل من اللعبة، واعتبروها مؤامرة داخلية «عميقة» لإزاحة مبارك بسبب المضى قدمًا فى مشروع التوريث. هناك الآن مَن يصر على أنه لم يكن هناك توريث وأنها شائعة أطلقتها المعارضة، رغم أن كثيرين- أنا واحد منهم- سمعوا بآذانهم وشاهدوا بأعينهم خطوات التوريث، وهى كثيرة، قد يأتى وقت للحديث عنها بتدقيق وتفصيل.

الطريف أن بعض «الثوريين المتحمسين» يرددون، هم أيضًا، مقولات المؤامرة، عندهم أن رفض تسمية الثورة والقول إنها حراك أو انتفاضة، ناهيك عن انتقاد الثورة والثوريين، هو مؤامرة على الثورة والثوار.

نظرية وتصورات المؤامرة لا تزال تتناسل وتتناسخ فى كثير من الكتابات إلى يومنا هذا.

يوم الجمعة، 11 فبراير ٢٠١١، نزل إلى الشوارع فى المدن المصرية الكبرى ما يتراوح بين 12 مليونًا و14 مليون مواطن، وتمكن الآلاف فى العاصمة من الوصول إلى قصر الاتحادية، فضلًا عن القصر الجمهورى فى رأس التين بالإسكندرية، يترقبون وينتظرون، يهتفون كذلك، وهلّلوا مع إعلان نائب رئيس الجمهورية، عمر سليمان، قرار مبارك الصائب بالخروج من المشهد.

وهو ما يُحسب له وللثلاثى فى قيادة الدولة، (المشير طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة والفريق أحمد شفيق رئيس مجلس الوزراء واللواء عمر سليمان، الذى تعرض لمحاولة اغتيال قبل عدة أيام من هذه الخطوة).

القول بالمؤامرة يعنى أن هذه الملايين كانت مُسيَّرة أو مُغيَّبة، والحق أن هناك مَن يصرون برطانة غريبة على إهدار حق المواطنين فى التحرك واتخاذ الموقف الذى يرونه، حتى لو لم يَرقْ هذا الموقف للبعض من النخب.

إذا تحرك المواطنون فى 9 يونيو ٦٧، قيل إنه تم إخراجهم وإنه خروج فبركة الاتحاد الاشتراكى، وإذا لم يتحركوا ضد مبارك فى سنة ٢٠٠٥، كما توقع أو حلم البعض قيل لماذا لا يثورون؟، قيل أيضًا: «لماذا هم خانعون؟!»، وعندما تحركوا فى يناير- فبراير ٢٠١١، قيل مؤامرة، وحين نزلوا فى 30 يونيو ٢٠١٣، قالوا: «فوتو شوب»!!.

الواقع أنهم لا يثقون فى الجمهور، ولا يحترمونه؛ حتى لو زعموا العكس. النخبوية لا تعنى الوصاية على الجمهور ولا الاستعلاء عليه والتسخيف من خياراته.

ملايين المصريين هؤلاء هم أصحاب الفضل، قبل أى طرف آخر، لولاهم لَمَا طالب قادة الدولة الرئيس باتخاذ هذه الخطوة ودفعه إلى القبول فورًا. خروج الملايين يجعلنا ننحاز بثقة إلى أنها ثورة ونضعها إلى جوار ثورات الشعب المصرى طوال تاريخه، فيها الكثير من ملامح الثورات المعاصرة وفيها أوجه الاختلاف.

من أوجه الشبه أن أبواب ونوافذ الإصلاح كانت قد سُدّت تمامًا حين جرى العبث فى انتخابات مجلس الشعب سنة ٢٠١٠، وفاز حزب الأغلبية بكل المقاعد، يمكننا القول «كوّش» عليها، طبقًا لدستور ٧١، كان يكفى ثلثا المقاعد كى تُمرِّر الحكومة بيسر تام ما تريد من تشريعات وقرارات، أى كان ممكنًا ترك 150 مقعدًا للمعارضة، ولو أن هناك عملًا وحسابات وتوافقات سياسية كان يكفى الحزب نصف المقاعد زائد واحد لتمرير ما يريد من خطوات.

تستحق هذه الانتخابات أن تُدرس كنموذج على الجهل والغباء السياسى المطلق والغطرسة الإنسانية البغيضة التى لا مفر من كسرها؛ ناهيك عن تجاهل رأى مؤسسات الدولة المعنية بالملف كله وعقلاء النظام، وتسليم العملية الانتخابية إلى مجموعة من «الهواة الأشرار». من أسف أن السيد الرئيس وقتها أسلم عملية الانتخاب لفريق الأشرار.. الأغنياء.

بعد فبراير ٢٠١١، توسعت بعض الصحف الأمريكية والبريطانية فى الحديث عن ديكتاتورية مبارك وقمعه الحريات، بعض رموز الإدارة الأمريكية رددوا هذه الكلمات، والحق أنهم يتحدثون كما لو أن مبارك كان نبيًّا للديمقراطية، ثم ارتد ديكتاتورًا، هم تعاملوا معه وصادقوه من البداية، كان مبارك فى سنواته الأخيرة أكثر تسامحًا مع الرأى الآخر عنه من ذى قبل، ربما كانت الخبرة والثقة، المشكلة أن آخر الديمقراطية لديه هى أن يتكلم المعارضون: «سيبوهم يتسلوا».

المسمار القاتل كان ملف التوريث، وتم التعامل معه باستخفاف شديد. أكد الرئيس أكثر من مرة أن مصر ليست سوريا، وهو تصريح واضح، لكن كان يجب أن يقابله فعل، وهو إبعاد الوريث عن القرار السياسى، أما أن يتقدم على رئيس الوزراء فى العديد من الخطوات والتحركات، مع عدم وجود نائب للرئيس، فهذا يُشكك فى التصريحات المعلنة أننا لسنا سوريا.

فى كتابه الذى صدر قبل وفاته بأسبوعين، عن «دار المعارف»، ذكر الراحل جلال دويدار، أمين عام المجلس الأعلى للصحافة، رئيس تحرير «الأخبار» وقتها، موقفًا للسيد جمال مبارك مع رئيس تحرير الأهرام، إبراهيم نافع، ومحفوظ الأنصارى، رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط. هدد وحذر جمال الأستاذ إبراهيم، رئيس التحرير، نقيب الصحفيين، ونفذ تهديده.

السبب أن «الأهرام» نشرت تصريحًا للرئيس مبارك، أدلى به إلى محفوظ الأنصارى ونشرته الوكالة، لكن الابن لم يكن راضيًا عن النشر ولم يُستأذن هو فيه، رغم أنه لم يكن يحمل أى صفة رسمية للحديث فى هذا الأمر ولا للتحذير، لم يكن وزير الإعلام ولا مسؤول هيئة الاستعلامات ولا هو سكرتير الرئيس للمعلومات، باختصار لم يكن موظفًا ولا مسؤولًا بالدولة، فقط كان نجل الرئيس.

اختلطت البنوة بالرئاسة بما يخل بهيبة الدولة ويربك مؤسساتها، خاصة فى نظام جمهورى، حتى فى النظم الملكية لابد من مراسيم ملكية لتنظيم مثل هذه الأمور، حتى لو لم يكن هناك مرسوم، فإن الملكية تعرف ما يسمى «النطق الملكى»، أى عبارة واضحة من الملك تتحول إلى توجيه مكتوب ومعتمد، المؤسف أن «التصريحات الرئاسية» كانت على العكس مما يحدث عند قمة الدولة ورأسها.

الاعتراض على ما نشرته الوكالة الرسمية والجريدة الأولى يعنى الوصاية على ما يُنشر، لا أريد القول إنها-بمعنى ما- الوصاية على الرئيس نفسه. المحزن أن أمر هذه الوصاية كان موضع ثرثرة ولغط شديد فى الوسط الصحفى وأوساط أخرى داخل الدولة، بما أساء إلى الرئيس السابق نفسه.

من خبرتى الصحفية لا يملك رئيس مجلس الوزراء نفسه (دولة الرئيس) أن يهدد رئيس تحرير مطبوعة، «الأهرام» خاصة.

حدث أن احتَدَّ رئيس الوزراء د. كمال الجنزورى، أثناء لقائه بمجموعة من الصحفيين، فى نقاش مع نائب رئيس تحرير روزاليوسف، الكاتب الكبير عادل حمودة، كان فعليًّا هو رئيس التحرير، فقط احتَدّ، فانهالت عليه مدفعية عادل حمودة، وتتالى الهجوم على رئيس الوزراء، الذى فضل الصمت.

الرئيس وحده كان له حق أن يعترض ويؤاخذ، لكن لا يهدد. فعلها من قبل، فى لحظة انفعال، الرئيس السادات مع «على حمدى الجمال»، لا تزال الواقعة فى ذاكرة شيوخ المهنة؛ رحم الله الجميع.

Rochen Web Hosting