رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

دعاء «الأسانسير»

قسم : مقالات
الأحد, 09 يوليو 2023 22:01

يعالج فيلم "بين السما والأرض" للمخرج المبدع الراحل "صلاح أبو سيف" فكرة قديمة متجددة، حول ردود فعل الإنسان الذي يوضع في مأزق، والتحولات التي تطرأ عليه، خلال حظات المحنة، والانقلابات التي يمكن أن تقع له، حين يمن الله عليه بالخروج منها.

مجموعة من الشخصيات المثيرة اجتمعت في لحظة قدرية داخل مصعد تعطل بهم فجأة، وباتوا جميعاً مهددين بالموت بداخله: لص سارق، وزعيم عصابة، ومجنون هارب، وزوجة خائنة، وصديق استحل عرض صديقه، وعجوز متصاب يبحث عن زيجة جديدة، ومتحرش، وفتاة هاربة من أهلها إلى حبها، وثري سابق يحتقر العصر الذي انتصر للفقير.

تعيش هذه المجموعة من الشخصيات المتنافرة محنة مشتركة، تذكّر كلاً منهم بعلته والمرض الذي سكن نفسه فساقه، إلى هذا الموقف العصيب، يعاندون في البداية، أملاً في الخروج، لكن مع مرور الوقت يبدأ اليأس في التسرب إلى قلوبهم، فيأخذ كل منهم في مراجعة نفسه وتذكيرها، فيدرك خطأه ويثوب إلى عقله، ويعزم على أن يصبح شخصاً جديداً إذا أنجاه الله تعالى من المحنة التي يعيشها.

وشاء الله أن يخرج الجميع من المأزق، وبمجرد الخروج، وجدت كل شخصية منهم نفسها في الأتون من جديد، فكرت في التوبة التي تابتها داخل الأسانسير، والدعاء الذي دعته لله، والعزم الذي أبدته على عدم العودة إلى ما كانت عليه، لكن سرعان ما نست كل شىء، وعادت إلى سيرتها الأولى.إنه المعنى الذي تشتمل عليه الآية الكريمة التي تقول: "وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون".

فيلم بين السما والأرض ضم مجموعة متلألئة من نجوم السينما المصرية في ذلك الوقت، وهو من تأليف صاحب جائزة نوبل "نجيب محفوظ"، وسيناريو وحوار واحد من أبدع وأنجب من عملوا في هذا المجال، وهو السيد بدير، وإخراج "صلاح أبو سيف"، ولست بحاجة إلى أن أقول لك من هو صلاح أبو سيف، ورغم ذلك فقد رسب الفيلم عند عرضه في دور السينما عام 1959، ولم يقبل عليه أحد.

وكان حظه أفضل نوعاً ما حين عُرض في التليفزيون.

ويبدو أن السبب في عدم استيعاب الأفلام التي تحمل أفكاراً كبرى، مثل فيلم "بين السما والأرض" في البدايات، يتعلق بصعوبة امتصاص أو هضم محتواها، لكن الناس تستوعبها بمرور الوقت، خلافاً للأفلام التي تحمل أفكاراً استهلاكية، إذ يمكن التهامها وهضمها بسهولة، لكنها لا تعيش.

ويبدو أن الشخصية المصرية -خلال النصف الأول من القرن العشرين- كانت أقدر على استيعاب العديد من الأفكار الكبرى التي ظهرت في أفلام تصف التحولات التي يمكن أن تطرأ على الشخصية الإنسانية، تحت ضغوط معينة -مثل فيلم "النائب العام" على سبيل المثال، ثم أصيبت بعد ذلك بعسر هضم فيما يتعلق بالأفكار الشبيهة، رغم رشاقة النص السينمائي الذي قدمه "صلاح أبو سيف"، رحمه الله.

Rochen Web Hosting