رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الحب في القلوب لا في الدبدوب!

قسم : مقالات
الخميس, 15 فبراير 2024 18:35

 

 

 جملة همست بها وأنا أرى إقبال الشباب على شراء الدمى الحمراء الشهيرة فى عيد الحب، وتساءلت هل نحن بالفعل نحب الحب؟ هل نحن نتمنى أن نعيش قصة الحب، أم نمثل فقط الحالة ونرتدى أقنعة الحب الجاهزة التى شاهدناها فى بعض الأفلام وسمعنا عنها فى الإذاعة وقرأناها فى رسائل المحبين؟ هل نحن نفخر بأننا فى علاقة حب أم أننا نخجل ونخاف من الإعلان والإفصاح والكشف؟ هل نحن فى حالة عشق وهيام وغرام أم أننا نعيش حالة فوبيا حب مزمنة، ورعب من الحميمية؟ أسئلة كثيرة لا بد أن نصارح أنفسنا بها، وبجرأة وصراحة ومواجهة للنفس، نحن أكثر شعوب الأرض كتابة لأشعار الحب وملاحم العشاق، لكننا أكثر الشعوب رعباً من تهمة الحب، مسموح فى السر وفى الكواليس وفى حضن الظلام ومع خرس الحنجرة وصمت النبض، لكنه مقموع فى العلن وممنوع فى النور، آخر موضة فوبيا عربية من الحب كانت منذ أيام فى المغرب، فقد هوجمت بضراوة شركة مغربية متخصصة فى إنتاج البسكويت عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وشنت حملات شرسة عليها بسبب عبارات وضعتها الشركة على غلاف أحد أنواع البسكويت الذى تنتجه، واعتبر البعض أن هذه العبارات خادشة للحياء وتستهدف أخلاق الناشئة! كلمات مثل مانقدرش ننساك، توحشتك، وراك، دايماً فى قلبى.. إلخ، اعتبرها الكثيرون خطيئة تستحق السجن والسحل وأحياناً الشنق! هذه الفوبيا ليست حديثة وليست مقصورة على بقعة معينة فى وطننا العربى، ولكنها ممتدة فى عمق الزمان واتساع المكان، هناك قوم رفضوا الصلاة على جثمان نزار قبانى فى لندن لأنه شاعر الحب! وهناك من طالب بمنع إحسان عبدالقدوس من الإذاعة لأنه قال فى نهاية برنامجه تصبحوا على حب! وهناك من شطب كوبليه «لسه شفايفى شايلة سلامك» من أغنية العندليب! وهناك من أغلق نافذة «اعترافات ليلية» فى أحد البرامج منذ حوالى عشرين سنة لأنها فضفضات فسق، وهو الاسم الحركى للحب! من الممكن أن يرد شخص معلقاً وإيه يعنى فايدة الحب فى مجتمع عايز يوفر لقمة العيش ويبنى اقتصاده؟!، ببساطة المجتمع الكاره للحب لا يستطيع أن يصنع ديمقراطية، المجتمع المرعوب من لمسة يد محب لمحبوبته لن ينهض باقتصاد أو تكنولوجيا، المجتمع المرتعش من قُبلة فى فيلم أو يصادر رواية من أجل حضن من الممكن أن يوفر لقمة العيش لكنها ستكون مغموسة فى المرارة والتبلد، الحب ليس من الممنوعات التى لا بد أن تصادر فى المطارات والموانئ بل هو أوكسجين يجب أن يسكن كل القلوب والحجرات والحدائق والدروب والمسام، من أجمل المحاضرات التى قرأتها عن الحب محاضرات أستاذ إيطالى اسمه ليو بوسكاليا قرر أن يعطى فى أمريكا كورسات لتعليم كيف تحب!، يؤكد «بوسكاليا» أن الحب سلوك مكتسب، وهو ما يناقض البديهيات التى تربينا عليها، وهى أن الحب سلوك فطرى يقترب من الوظائف البيولوجية مثل الأكل والتنفس، وأكد أيضاً أن الحب مشاركة وليس عطاء بلا حدود، فهو لا يعيش فى يوتوبيا مزيفة وإنما يقرأ واقعاً حياً نابضاً، حاول معه أن يحذرنا من أننا بالفعل نعيش مع بعضنا البعض ولكننا جميعاً نموت من الوحدة، البداية لكسر هذه الوحدة الباردة أن نكون أنفسنا، فقديماً رفع شعار «اعرف نفسك»، ونحن حالياً نرفع شعار «كن نفسك»، ولا تندهش عزيزى القارئ وتتساءل: ما أنا نفسى أمال أنا مين؟، والإجابة للأسف أنت لست نفسك ولكنك النموذج الذى يريده المجتمع لك فى أثناء صناعته لخرافة المواطن الصالح، فأثناء طفولتك مثلاً وحين تطلب منك مدرسة الرسم أن ترسم شجرة فأنت تحصل على إعجابها وعلى درجتها النهائية حين ترسم شجرتها هى وليست شجرتك أنت، وتظل طوال حياتك ترسم شجرات الآخرين وتسير فى طرقهم المعبدة، وتسكن فى مساكن أفكارهم المعلبة سابقة التجهيز، فالبداية الصحيحة والسليمة هى أن تهرب وترسم شجرتك أنت، وتضحك حين تريد أن تضحك وتبكى حين يخنقك البكاء، وفى هذا المعنى يكتب ليو بوسكاليا: لا حاجة بنا لأن نخشى أن نلمس، وأن نشعر، وأن نبدى الانفعال، إن أيسر شىء فى الدنيا هو أن تكون كما أنت، وإن أشق شىء تكونه هو ما يريدك الآخرون أن تكونه، هل نحن نحتاج كمجتمعات عربية إلى كورسات فى الحب من «بوسكاليا»؟

Rochen Web Hosting