رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

شاهد من أهلهم

قسم : مقالات
الجمعة, 31 مايو 2024 21:06

بعد مرور أكثر من ثمانية أشهر على بداية تلك الحرب التى يراقبها العالم بقلق وحزن ودموع على هؤلاء الضحايا، وتلك المشاهد التى تُدمى القلوب، والأطفال الذين فقدوا عائلاتهم ومستقبلهم وكل ما يملكون من أحلام وصور وذكريات، والأحياء التى دُمّرت بمنازلها ومدارسها وأسواقها ومستشفياتها، وكل ما تضمّه من تاريخ وحاضر وماضٍ لهؤلاء الضحايا، خرجت إحدى الصور والفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعى لمظاهرة تجوب شوارع القدس منذ أيام، لتؤكد أن الحق لا بد أن يعود لأصحابه، وتدين الحرب ضد الفلسطينيين، ولتكون شهادة من أهل المعتدين أنفسهم. الصور التى تناقلتها وكالات الأنباء لمظاهرة ليست الأولى من نوعها، ولا لمن يقومون بها، بل هى شهرية، تُنظمها جماعة (حراس المدينة)، الذين يعيشون فى مدينة القدس الشريفة، وهو أسلوب يتبعونه للتعبير عن رأيهم، حيث يحملون الأعلام الفلسطينية، ولافتات الإدانة لإسرائيل، رغم محاولات الشرطة الإسرائيلية قمعهم، التى تُسجلها أيضاً الصور ووكالات الأنباء.

«ناطورى كارتا» هى كلمة عبرية تعنى باللغة الآرامية حارس المدينة، وهى حركة دينية يهودية مناهضة للصهيونية، ولا تعترف بدولة إسرائيل على الأراضى الفلسطينية المحتلة، وتُعلن وتؤكد فى مبادئها أن قيام دولة لليهود لا يكون بسلب شعب آخر أرضه، ولا يكون إلا بإذن الرب، بعد أن يرجع اليهود لتطبيق شريعتهم التى عاقبهم الرب لمخالفتها، وشتّتهم فى الأمصار بين شعوب الأرض بسبب تضييعها. وكانت لبداية التأسيس قصة، حيث كانت جزءاً من حزب (أعودات يسرائيل)، الذى أنشئ فى بداية القرن العشرين لمواجهة الصهيونية، ولكن فى عام ١٩١٧، الذى أصدرت فيه الحكومة البريطانية وعد بلفور، وأعلنت إقامة الانتداب البريطانى فى فلسطين بعد هزيمة العثمانيين فى الحرب العالمية الأولى، دعم الحزب هجرة اليهود من أوروبا إلى فلسطين، ولكنه رفض إقامة دولة يهودية. وبدأ الحزب بتقديم تنازلات تدريجية للصهاينة فى ثلاثينات القرن الماضى، فبدأ بالتنسيق مع القيادات الصهيونية فى فلسطين، والتى وسّعت نشاطها الاستيطانى فى الأراضى الفلسطينية لأجل اليهود الجُدد من أوروبا، فانشق جزء من الحزب عنه عام ١٩٣٥، نتيجة تقاربه مع الحركة الصهيونية، ليُنشئها فى ما بعد حركة «ناطورى كارتا». وقد بدأت الحركة فى استخدام هذا الاسم أول مرة عام ١٩٣٨ كتعريف لها بين الأوساط العالمية.

وفى البداية لم يكن تعداد أعضائها أكثر من ٥٠٠٠ يعيشون فى القدس ولندن ونيويورك، إلا أنه تضاعف الآن. وتنادى هذه الحركة بخلع أو إنهاء سلمى للكيان الإسرائيلى وإعادة الأرض إلى الفلسطينيين، حيث إن لديها اقتناعاً تاماً بالأدب الحاخامى الذى ينص على منع اليهود من الحصول على دولة خاصة بهم إلا بعد عودة المسيح، وأنه تم طردهم بسبب خطاياهم، وبأن أى محاولة لاسترداد أرض إسرائيل بالقوة مخالفة للإرادة الإلهية.

جدير بالذكر أن معظم أتباع هذه الطائفة ينحدرون من أصول مجرية، وقد استقروا فى المدينة القديمة للقدس فى بداية القرن التاسع عشر، وكذلك من اليهود الليتوانيين الذين كانوا طلاباً هناك. وكانت هذه الطائفة مخالفة للسياسات الجديدة المنبثقة عن الصهيونية، والتى كانت تهدف إلى تحقيق سيادة لليهود على أرض فلسطين التى كانت تحت الحكم العثمانى، وكان من ضمن حججهم لمعارضة هذه الفكرة نقاشات تلمودية بخصوص مقاطع من التوراة، والتى تتعلق باتفاقية بين إلههم والشعب اليهودى وأمم العالم عندما تم نفى اليهود، وكان الاتفاق على ألا يقوم اليهود بثورات على الشعوب غير اليهودية، التى منحتهم مأمناً ومأوى كما هو الحال فى سماح الدولة العثمانية لهم بالوفود والإقامة فى فلسطين. وكذلك أنهم يجب ألا يقوموا بهجرة جماعية إلى فلسطين، وفى المقابل تنص الاتفاقية على أن الأمم غير اليهودية تعد بألا تضطهد اليهود بشكل قاسٍ.

واستمرت هذه الطائفة فى معارضتها لإسرائيل تحت قيادة حاخامهم (امراة بلو)، وترفض دفع الضرائب لدولة إسرائيل، حيث إنهم لا يعترفون بها، ووصل الأمر بهم إلى أنهم يرفضون لمس أى عملة ورقية تحمل صوراً وشعارات للصهيونية، ولا يقترب أعضاء هذه الطائفة من حائط البراق، حيث يعتقدون أنه تم تدنيسه من قِبل الصهاينة.

ومما يجدر ذكره أن زعيم هذه الطائفة خدم كوزير لشئون اليهود فى عهد الرئيس الفلسطينى ياسر عرفات، كما اشترك عضوان من هذه الطائفة بالصلاة على الرئيس الفلسطينى فى باريس، واشترك أيضاً الحاخام موشيه هيرس فى جنازته. وهكذا يشهد شاهد من أهلهم على أن وجودهم غير شرعى، وحربهم لإبادة الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم تلعنها جميع الكتب السماوية.

Rochen Web Hosting