رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

«ضَربَ اللهُ مَثلاً عَبداً مَملُوكاً»

قسم : مقالات
الخميس, 23 يوليو 2020 09:25

الإسلام حرية. والإنسان حر فى أن يؤمن بما جاء من عند الله أو يكابر ويكفر به: «وقُل الحقُّ من ربِّكُم فمَن شاءَ فليؤمِن ومَن شاءَ فليكفُر». وحين جعل الله قضية الإيمان به قضية اختيار قائم على الحرية فقد أراد أن يشعر الإنسان بحجم تفاهته عندما يُستعبد لبشر الأرض الذين خُلقوا مثله من طين ويجرى عليهم ما يجرى عليه من سنن الحياة والموت. فالإنسان الذى تستعبده زوجة أو أولاد أو مال أو منصب أو وظيفة هو إنسان تافه، وقد تخلى عن حريته فى الاختيار الذى قرره الله تعالى له، وجعله حقاً من حقوق الإنسان حتى فى الإيمان به جلَّ وعلا: «قُل إنْ كان آباؤُكُم وأبناؤكُم وإخوانُكُم وأزواجُكُم وعشيرتُكُم وأموالٌ اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادَها ومساكنُ ترضونَها أحبَّ إليكم من اللهِ ورسولِه وجهادٍ فى سبيلِه فتربَّصوا حتى يأتىَ اللهُ بأمرِه واللهُ لا يهدى القومَ الفاسقين»..

الله تعالى نهى عن اكتناز المال، وأمر بإنفاقه حتى لا يصبح صنماً يتعبد الفرد فى محرابه. فتراكم المال يتناقض مع ما يفترض فى الإنسان من وعى بأنه كائن زائل يحيا حياة فانية، وأنه سوف يحاسَب فى النهاية على كل جنيه دخل جيبه أو خزينته أو سكن تحت بلاطته: «وأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِى إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ». بل إننا نجد فى القرآن الكريم تحقيراً لقيمة المال كأداة لقيادة البشر. فالقيادة فى الإسلام منوطة بالقدرة، وقد احتفى القرآن فى هذا السياق بالقدرة العلمية: «إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم»، وكذلك القدرة الجسمية -المفتولة من الأمانة- عندما يستوجب الموقع ذلك: «إن خير من استأجرت القوى الأمين».

كذلك فأنت فى صومك حر (سواء صُمتَ فى رمضان أو فى غيره). فعندما تتوقف عن الأكل والشرب وممارسة حياتك الطبيعية على مدار ساعات محددة فى أيام الشهر الكريم فأنت تتحرر من أن يستعبدك طعام أو شهوة أو عادة. لذلك فإن الناس تستغرب من الحالة النفسية الجيدة التى ينعمون بها فى الصيام، والمزاج المعتدل الذى يعيشون فى ظلاله. والسبب فى ذلك هو الإحساس بالحرية الذى يشعر به الفرد، فيؤدى إلى تحسن حالته النفسية واعتدال مزاجه العام. أما الإحساس بالتوتر والقلق والإرهاق والمعاناة فى غير ذلك فإنه يرتبط بالانخراط فى دائرة الاستعباد للأسرة والمال، والجاه والمناصب، والطعام والشراب، والعادات وغير ذلك. والاستعباد لكل هذه العناصر يؤدى بالإنسان إلى مزيد من الإحساس بالعجز والإحباط، لأنه يسلم عقله ونفسه وجسده لغير الله فيفقد حريته.

فالعبد المملوك لمال أو لسلطة أو لزوجة أو لولد لا يقدر على شىء، بل هو مصاب بالعجز على طول الخط، على عكس الإنسان السوى الذى يعلم أن رسالة الإسلام هى دعوة للتحرير والتغيير: «ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لَّا يَقْدِرُ عَلَى شَىءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِراً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ».

Rochen Web Hosting