رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

سر الاتفاق الإماراتى مع إسرائيل (1)

قسم : مقالات
السبت, 15 أغسطس 2020 21:10

تحليل إخبارى من أبوظبى:

العرض الإماراتى لإسرائيل، بضمانة أمريكية، هو: «أوقفوا الاستيطان، نبدأ فى علاقات طبيعية»!!

هذه هى لغة المصالح التى تفهمها إسرائيل، ويفهمها العالم: «ماذا ستعطينى مقابل ما أعطيك؟».

أى تفسير تآمرى، مريض، لا يفهم القرار الإماراتى بالحوار مع إسرائيل حول إيقاف الاستيطان مقابل بدء علاقات طبيعية بين البلدين، يعتبر جهلاً شديداً بطبيعة توجهات صناعة القرار فى دولة الإمارات.

هنا لا بد من التفسير: لماذا اتخذت الإمارات هذا القرار التاريخى الصعب؟ وما معناه؟ وإلى أين يمكن أن يؤدى بأطراف الاتفاق الثلاثة: الإماراتى، الإسرائيلى، الأمريكى؟

يتعين أولاً فهم محددات أساسية تحكم أى قرار كبير ومصيرى ورئيسى فى دولة الإمارات.. وهى:

1- أن يكون القرار متسقاً تماماً مع روح إمارات الاتحاد، والقيم التى تأسست عليها وترجمها عملياً مؤسس الدولة الشيخ زايد آل نهيان، رحمه الله. وهذا الكلام ليس شعراً أو نثراً، لكنه ركيزة أساسية فى فهم عقلية «أبناء زايد وأبناء أبنائه»، ويعتمد جوهر الحكم على «استخدام أكبر قدر من الحكمة لتحقيق أكبر قدر من القوة، لإسعاد أكبر قدر من الناس، لخدمة أكبر قدر من المصالح الوطنية».

تلك كانت فطرة الشيخ زايد آل نهيان، وبعده شيوخ الإمارات عند التأسيس، وتم البناء على هذه القاعدة الذهبية بتراكم من العلم والدراسات والتكنولوجيا المتطورة.

2- مبدأ الحكمة وتغليب الفعل على القول، ظهر فى مسارعة قطع الشيخ زايد للنفط فى أكتوبر 1973، وفى دعم الإمارات للأشقاء العرب والأفريقيين والمسلمين، وفى موقف الإمارات من مصر عقب ثورة 30 يونيو 2013، وفى مواقف الإمارات تجاه أزمات: السودان، وفلسطين، وجيبوتى، والصومال، ولبنان، ونجدة كل متضرر من أفريقيا إلى جزر الكاريبى.

هذا الاتفاق الثلاثى فيه 3 قوى هى:

أ- إسرائيل، قوة نووية فى المنطقة، صاحبة القوة العسكرية رقم ١٨ فى العالم، إجمالى ناتجها القومى يبلغ ٣٧٠ مليار دولار وترتيبه ٣٨، متوسط دخل الفرد فيها 37 ألف دولار سنوياً، ودولة لها تأثير بالغ على مجريات تشكيل السياسة العالمية من خلال اللوبى اليهودى - الصهيونى العالمى، وقوة نفاذ غير تقليدية فى المؤسسات الأمريكية المؤثرة فى صناعة القرار.

إسرائيل هذه مؤثرة فى «وول استريت» و«ناسداك» وفى كبريات شركات الاتصالات والتكنولوجيا الرقمية وأقمار التجسس والصناعات العسكرية الذكية.

ب- الطرف الثانى، دولة الإمارات المتحدة، وهى دولة شابة من قرابة عشرة ملايين نسمة، يبلغ إجمالى الناتج القومى لدولة الإمارات 732 مليار دولار، وترتيبها الحادى والثلاثون فى مؤشر الناتج القومى العالمى، متوسط دخل الفرد فيها 70 ألف دولار أمريكى سنوياً، وتحتل بذلك المركز السابع عالمياً فى مداخيل الأفراد، وتتحدث التقارير العالمية عن أن إجمالى رصيد الصندوق السيادى الإماراتى يتراوح ما بين 700 و750 مليار دولار.

تعتبر «أبوظبى» عاصمة اقتصادية مؤثرة تجتذب ربع الاستثمارات المباشرة فى المنطقة، وتأتى «دبى» كى تكون المقصد السياحى الأول أو الثانى عالمياً خلال السنوات العشر الأخيرة.

تمكنت الإمارات من إطلاق رائد فضاء إماراتى، ويوجد الآن فى فلك فضاء المريخ «مسبار الأمل» الإماراتى الذى تم تصميمه وتصنيعه إماراتياً بالتعاون مع شركة ميتسوبيشى العالمية.

تضم الإمارات متحف «اللوفر»، وهو أول متحف للوفر خارج فرنسا، وجامعة للسوربون، وواحدة من أهم كليات «الروبوتات» فى العالم.

وللإمارات جيش مؤثر وفعال فى تدريبه وتسليحه، وهو صاحب أكبر عدد من المقاتلات الأمريكية القاذفة فى المنطقة.

وتحتل الإمارات الترتيب رقم ١٢ عالمياً فى إنتاج النفط، ولديها مخزون واعد من الغاز الطبيعى.

ج- الطرف الثالث، الولايات المتحدة الأمريكية، ويكفى أن نقول إنها الدولة الأكبر والأكثر تأثيراً فى القوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية فى العالم، وعملتها، أى الدولار، تمثل قرابة ثلثى الكتلة النقدية فى العالم.

الولايات المتحدة هذه، ذات العلاقة الخاصة جداً مع إسرائيل والأكثر تأثيراً وارتباطاً بها، هى الضامن لصيغة ومعادلة: «تجميد الاستيطان مقابل بدء علاقات طبيعية».

من هنا تصبح «ضربة معلم» من قبَل الشيخ محمد بن زايد ومؤسسة الدبلوماسية الإماراتية أن يكون توقيت إنجاز هذا الاتفاق الثلاثى الآن.

دائماً يقال فى علم التفاوض إن أفضل الأوقات للحصول على أفضل النتائج من أى مفاوضات هو حينما يكون الطرف الثانى أكثر حاجة منك للاتفاق.

«نتنياهو» يعانى من أزمته الداخلية، وهو غير قادر على تطبيق صفقة الآن أو إلغائها، و«ترامب» يعانى من مثلث الكورونا، تدهور الاقتصاد، غضب الأقليات وتظاهراتهم.

إذاً هذا هو الوقت الأفضل للحصول على اتفاق لصالح الفلسطينيين.

3- هنا قد نسأل: لماذا تتدخل الإمارات فى أزمات وصراعات مثل اليمن، أو ليبيا، أو مواجهة خطر الإرهاب الدينى فى الساحل الأفريقى، أو لدعم اقتصادات دول مثل مصر والسودان والجزائر وتونس وعشرات الدول الإسلامية والأفريقية؟ وقد يسأل هؤلاء: أليس من الأسلم والأوفر والأسهل أن تحتفظ الإمارات بمقعد المشاهد على هذه الصراعات وتنأى بنفسها وتوفر أموالها لنفسها؟

الإجابة مباشرة تجدها صريحة وواضحة شفافة لدى القيادة الإماراتية، وتحديداً لدى الشيخ محمد بن زايد وإخوته، والتى تقول: «نحن نعيش فى عالم شرير مضطرب تلعب فيه الميليشيات التكفيرية دوراً فوضوياً يسعى لإسقاط جميع مشروعات الدولة الوطنية المدنية».

من هنا يصبح -حسب هذه الرؤية- لزاماً على الإمارات أن تذهب إلى مواجهة هؤلاء الأشرار فى ديارهم حتى لا يأتى -لا قدر الله- ذلك اليوم الذى يصلون فيه إلى ديار الإمارات!

بمنطق الصحراء «تغدى به قبل أن يتعشى بك»، وبمنطق الاستراتيجية الحديثة: «ضربة مجهضة مسبقة».

4- تؤمن الإمارات بمنطق مواجهة الأمور بشفافية، وتسمية الأمور بأسمائها، وفعل القرارات فى الضوء والعلانية وليس فى الغرف المظلمة، لأنها لا تفعل ما تخجل منه، بل تتخذ من القرارات ما يمكن أن تفاخر به.

لذلك لم تضع «أبوظبى» رأسها فى الرمال تجاه المشروعات التخريبية القطرية، أو هستيريا التمدد العسكرى التركى، أو الشحن الطائفى الإيرانى فى اليمن والعراق وسوريا وغزة.

تخيلوا لو وقفت كل من «أبوظبى والرياض والقاهرة» موقف المشاهد السلبى، وأعطت الضوء الأخضر للمشروعات القطرية، التركية، الإيرانية ماذا يمكن أن تكون عليه صورة المنطقة؟

أعرف أن هناك من سيرد علىّ ويقول: «الأمور أصلاً فى المنطقة الآن كارثة وخراب»، هنا نرد عليه: «نعم كلامك صحيح، ولكن كان من الممكن أن تسوء أكثر، وتصبح أكثر كارثية، وتصل إلى نقطة اللاعودة فى إيجاد حلول أو تسويات».

إن مدرسة التفكير التى أرساها الشيخ زايد، والتى تضم الشيخ محمد بن زايد، والشيخ محمد بن راشد، والشيوخ هزاع، وعبدالله، وسيف، وطحنون، ومنصور، وحمدان، والشيخ نهيان بن مبارك، والدكتور أنور قرقاش، والدكتور محمد القرقاوى، والسفير يوسف العتيبة، هى نمط تفكير عملى براجماتى يسعى لتحقيق المصالح بأكبر قدر من الحكمة، مع الحفاظ على كل مبادئ مؤسس دولة الإمارات.

هنا سنأتى للسؤال التالى: ماذا أعطت الإمارات فى هذا الاتفاق؟ وماذا ستأخذ؟ وماذا سيأخذ الأشقاء؟ وهل سيخسرون شيئاً؟ ومن سيكون مع الخطوة الإماراتية الاختراقية؟ ومن سيقف ضدها حتى الموت؟

ما حدث ببساطة تغيير جوهرى فى قواعد الصراع العربى - الإسرائيلى، لأنه خطوة عملاقة نحو عالم أرحب.

هنا يأتى السؤال العظيم: هل يفهم الأشقاء العرب الخطوة الإماراتية ويبنون عليها؟ هل تصدق إسرائيل فى تعهدها؟ وهل يلعب الأمريكى دور الضامن الصادق للاتفاق الثلاثى؟ غداً الإجابة بإذن الله.

Rochen Web Hosting