رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

انتحار المنطق

قسم : مقالات
الثلاثاء, 29 سبتمبر 2020 14:54

تصريح لافت تكرر للمرة الثانية على لسان الرئيس الأمريكى، «دونالد ترامب» يعلن عن عزمه عدم تسليم السلطة حال خسارته فى الانتخابات!.

تخيل المشهد.. السلطات الأمريكية تعلن فوز «جو بايدن» فى الانتخابات. يذهب «بايدن» وزوجته إلى البيت الأبيض لتسلم السلطة.. يطرقون الباب و«ترامب» لا يفتح.. وعندما تصر الشرطة على فتح الباب يصرخ فى وجوههم «موش فاتح».. تقوم الشرطة بفتح الباب عنوة.. فيبرز لهم «ترامب» ومعه مجموعة من «الشبيحة» وتقع «عركة» كبرى تسطر تفاصيلها فى كتاب التاريخ الأمريكى. منذ أن تولى السلطة وهو يؤدى بطريقة شديدة الإثارة، لم يسبق لرئيس أمريكى أن أدى بها. دونالد ترامب هو الأكثر صراحة فى الحديث عن الحكام فى دول العالم المختلفة، والأكثر جرأة فى الإعلان عما يريد وطلبه دون أى مواربة. أداء ترامب قد يكون مستغرباً، لكنه يتسق مع طبيعة تركيبته الشخصية. فالكثيرون يشعرون بالعجب وهم يراقبون أداء الرجل الذى يبدو وكأنه شخصية وقعت من بين صحائف أحد الكتب التى تصف حال الغرب فى العصور الوسطى، لكن الرجل يجد نفسه متسقاً مع ذاته. «ترامب» لا يدارى ولا يوارب، بل على العكس تماماً، ينظر بعين الحسد إلى بعض حكام العالم الثالث الذين يدخلون قصور الحكم، ولا يخرجون منها إلا بقوة عزيز مقتدر. يحسدهم على ما يتمتعون به من سلطة مطلقة فى صناعة واتخاذ القرار، يهمشون أو يحيدون فيه كل مؤسسات الدولة. «ترامب» تلبسته الحالة وتماهى بها وأصبح يعيش بـ«لوك» حاكم من العالم الثالث، يؤدى كما أدى حكام العصور الوسطى، لكن مشكلته الأساسية أنه لا يستوعب أن الشعب الأمريكى لا ينتمى إلى العالم الثالث. ربما تلهب الإثارة الترامبية خيال قطاع منه، لكنه فى النهاية يفهم أنه ينتمى إلى دولة مختلفة تحكمها ثقافة وقيم لا تتشابه مع الثقافة والقيم البالية التى تسود العالم الثالث.

الأمريكى يمكن أن يرضى بأن تداس حقوق أى إنسان غيره، لكنه لا يسمح بإهدار حقوقه. وهو يعلم أن الطريقة الكاريكاتيرية التى يفكر ويؤدى بها «ترامب» يمكن أن تكون لطيفة عند مشاهدتها لبعض الوقت، لكنها لا تصلح للأداء طيلة الوقت. ظنى أن المواطن الأمريكى ينظر إلى كتلة العالم الثالث كمجتمعات انتحر فيها المنطق. فكثير مما يسمعه عنها أو يتابعه فيها يعبر عن ممارسات تفتقر إلى أدنى درجات الحكمة أو التفكير المنطقى، وبالتالى لست أظن أنه يحلم مثل «ترامب» بأن يعيش حالتها.

«ترامب» من هواة نحر المنطق. والشخصيات من هذا النوع قد تتمكن من إنجاز خطوات غير مسبوقة فى مواجهة بعض المواقف أو المشكلات، وذلك عبر تحييد العقل، لكن سرعان ما تنكفئ على وجهها إذا سلكت بالطريقة نفسها فى مواقف أخرى تتطلب تحكيم العقل والمنطق. مثلاً «ترامب» تعامل مع المشكلة الفلسطينية بطريقة لم يعهدها العرب من قبل، فاتخذ قرارات كان أسلافه من الرؤساء الأمريكيين يرون أن الحكمة تقتضى التلويح بها فقط وليس فرضها على الواقع. «ترامب» -حيد العقل والمنطق- وفعلها ونجح. هذه الطريقة فى الأداء قد تنجح مع الغير، وقد يشجعها الأمريكيون، لكننى لا أظن أنها تصلح لصياغة مشهد كذاك الذى يحلم به «ترامب» حال خسارته الانتخابات. فهناك شعوب تحل أكل العقل والمنطق، لكن ثمة شعوباً أخرى تعتبر ذلك حراماً!.

Rochen Web Hosting