رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الدكتور طارق شوقى ومثقفو قهوة ريش

قسم : مقالات
السبت, 03 أكتوبر 2020 20:10



أنا تعلمت فى مدارس حكومية مجانية، تعلمت البلاغة وحب القراءة وأهمية التاريخ واتجاهات الخريطة فى الجغرافيا، حتى إننى عندما أتوه فى أى شارع فى مصر أو العالم أتذكر اتجاهات الشمال والجنوب لأعود لطريقى، طبعاً قبل اختراع الـ«جى بى إس»، كما تعلمت فيها عزف الكمانجة، ولعبت رياضة، وتحدثت اللغة الإنجليزية بدرجة كانت أساساً استكملت عليه ومكننى من العمل فى منظمات دولية، أنا بنت «المريلة الكاكى والكحلى وأفتخر»، تعلمت فى المدارس المصرية المجانية ما لم يتعلمه أبنائى فى المدارس التى تدرس الشهادات الدولية وأدفع فيها ما يستهلكنى أنا وزوجى مالياً وكنت أتمنى أن يتعلموا مثلى فى مدارس حكومية، ماذا حدث؟

قضية التعليم هى حضرة الكلام الذى لا ينتهى، والخبراء فيها أكثر من خبراء تحليل الكرة، حتى المتخصصون فى علوم التربية لا يكفون عن النقد الممتد لعقود لأى وزير تعليم، وقد حضرت كم جلسات مع خبراء وأصحاب مصالح، وعادة ما ينقسم الكلام حسب المتكلم ما بين خبراء ينتقدون المناهج التى بلا هدف أو فلسفة وإنما حشو، وأهالٍ يريدون تعليماً جيداً مع تسهيل الغش فى الامتحانات وعدم التدقيق على الحضور فى المدارس حتى أصبحت فصول ثانوية عامة خاوية تماماً بخيانة أغلب المدرسين لأمانة المهنة لتسهيل الدروس، وبضغط من الأهالى لإتاحة الوقت للدروس، وتواطؤ المدارس مع مشرفى الوزارة، عملية منظمة لتدمير أجيال وتدمير منظم للبلد لا يقل خطورة عن العمليات التفجيرية والانتحارية.

عندما سمعت الدكتور طارق شوقى قبل توليه الوزارة تأملت فيه الخير، عندما تحدث عن «فلسفة التعليم» وأن المستهدف هو «العودة إلى التعليم» بدلاً من هذا العبث المسمى تعليماً، وهو ليس إلا صراعاً محموماً على مجموع بلا تعليم، وقبول بجامعة فى تخصصات غير مناسبة للدولة أو لسوق العمل، لمس حيرتى، ورد على أفكارى.

عندما تم اختياره سعدت وكنت أتابع مندبة الخبراء وأتعجب لأن فيها الكثير من الخلط بين الخاص والعام والكثير من التصيد، فإذا بدأ بالمناهج والتكنولوجيا يعلو النقد حول المدارس والتكدس، وإذا بدأ تطوير المدارس يعلو النقد حول المعلم، ضجيج لا ينتهى ويختلط فيه الحوار حتى يغيب الهدف ولا يطمئن لصدق النوايا، بل قلقت أن تستجيب القيادة السياسية لهذا الضجيج وتغير الدكتور طارق شوقى فى التعديلات الوزارية لنعود لنقطة الصفر من جديد ويأتى وزير يخضع للإرهاب الفكرى والضغط الجماهيرى، لكن ما أسعدنى هو الدعم السياسى له والإصرار على الاستكمال رغم الهجوم الحاد.

ورغم أن أولادى انتهوا من الدراسة بالمدارس فإننى مهمومة بأبناء مصر جميعاً، فما أراه من مستوى تعليم للشباب الخريجين يدعو للشفقة عليهم، وأرى أن الهجوم على خطة التعليم منطلق من مقولة «الإنسان عدو ما يجهل»، والتى تقودنا إلى أن كثيراً من المصريين يرون أن تتعايش مع عدو تعرفه، وهو النظام التعليمى الحالى، أفضل من تجريب شىء آخر، لكن الأخطر أننا لو استمررنا مع نظام التعليم، كما كان، سيدفع أبناؤنا ونحن معهم أثماناً باهظة لأجيال ناضلت كالمحمومة للحصول على شهادات لا تنفع فى أى شىء، لا يوجد عمل لائق ولا حياة كريمة، فقد كان التعليم ومناهجه وطرقه خلف التاريخ، دعونا نهدأ قليلاً ونعمل معاً، ننتقد ما نراه يستحق النقد لكن فى إطار الاتفاق على هدف موضوعى.

Rochen Web Hosting