رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

2011.. ربيع أم اضطرابات إقليمية؟

قسم : مقالات
الجمعة, 09 أكتوبر 2020 10:33



فى كتابه المعنون باسم «الأبحاث الاستخباراتية» الصادر فى إسرائيل خلال أبريل 2015، يعرض الكاتب «إيتى بارون»، رئيس وحدة البحوث فى الاستخبارات العسكرية المعروفة باسم أمان فى الفترة من 2011 - 2015، فى فصول الكتاب السبعة عن تعامل إسرائيل مع محيطها فى العالم العربى بعد هزيمتها فى حرب السادس من أكتوبر 1973، وللحق لم تُصبنى الدهشة وهو يحكى عن توقع إدارته لما أصاب العالم العربى من ثورات انتهت بالفوضى قبل 2010. فيقول إنه رغم تسمية الغرب لتلك الفوضى باسم «الربيع العربى»، إلا أنهم كانوا ينظرون إليها فى إسرائيل على أنها اضطرابات إقليمية ستُغير شكل الخريطة المحيطة بإسرائيل.

لا يفاجئنى توقع الاستخبارات الإسرائيلية لأحداث الفوضى فى العالم العربى، فقد سبق وصف تحالف تل أبيب مع إدارة جيمى كارتر ومستشاره للأمن القومى بيرجينسكى فى كتاب رهينة بقبضة الخُمينى للمؤلف روبرت ترايفوس والصادر فى الولايات المتحدة الأمريكية عام 1981، وعرض الكتاب لخطة تقسيم الشرق الأوسط ودولها لطوائف دينية وسياسية مختلفة، لتقوم بينها الحروب باسم الدين والعرق. ولكن كان من المهم التعرّف على ما يقوله شخص كبارون مهنته جمع المعلومات وتحليلها.

يقول بارون إنهم فى عام 2011 وصفوا الأحداث فى مصر وسوريا واليمن وليبيا والبحرين بأنها أحداث يشوبها عدم الاستقرار والغموض، ثم أضافوا لها وصفاً آخر فى عام 2012 هو «القابلية للانفجار»، وإن هذا الانفجار يمكنه أن يطال إسرائيل، ولذا فلا بد من الاستعداد للتعامل معه وبقوة مفرطة لمواجهته. ويصف بارون هذه المرحلة بثلاثة ملامح: نزول الجماهير فى الشارع ضد أنظمة الحكم كما يقول نتيجة للفساد والقمع، وسيطرة الإخوان المسلمين على البلاد التى قامت فيها الثورات، وتمدّد التطرّف من قبل جماعات إسلامية، فى مقدمتها داعش، نتيجة للفراغ الأمنى والمؤسسى فى المنطقة. وهو ما دعا الاستخبارات الإسرائيلية إلى دراسة تأثير الشعوب العربية على مسار الأحداث بعد تهميش الاهتمام بها على مدار سنوات، كما يقول.

هنا لا بد من التوقف مع ما يعرضه بارون فى كتابه «الأبحاث الاستخبارية»، فالرجل بدأ فصول كتابه بالحديث عن حرب يوم الغفران، وهزيمة إسرائيل فيها على يد الجيش المصرى، وكيف أن غياب المعلومة الأمنية الصحيحة، وغياب تحليلها كان سبباً فى تلك الهزيمة، ثم يصف رؤية إسرائيل الاستخباراتية لحال عالمنا العربى الذى تفكك بعض من دوله منذ عام 2012، وكيف جاء عام 2015 ودول مثل سوريا واليمن وليبيا عادت إلى سيطرة النزعة الطائفية والقبلية على مفاصل الدولة، بينما تراجعت سيطرة الدولة أو تلاشت. وكيف أن التهديد الذى يواجه إسرائيل لم يعد حرباً مفاجئة كما حدث فى أكتوبر 1973، بل تغير الوضع حولها وانتشرت الاضطرابات وحدث سقوط دول وتمدد للإرهاب. وهو ما يستدعى للذاكرة استراتيجية وزارة الدفاع الإسرائيلية فى أغسطس من عام 2015، والتى أعلنتها وذكرت فيها أن خطة إسرائيل العسكرية ستعتمد فى الفترة من 2015 - 2020 ستكون التدريب على مواجهة ميليشيات مسلحة لا جيوش نظامية، بعدما انهارت جيوش المنطقة! ولذا فالربط بين هزيمة إسرائيل فى أكتوبر 1973، وبين اضطرابات 2011 فى العالم العربى، وانهيار دول وتقسيمها وتردى أوضاعها لتبقى إسرائيل هى الأكبر والأقوى، أمر لا بد من الانتباه إليه. بمعنى أن ما واجهناه فى 2011 هو نتيجة لانتصارنا فى أكتوبر 1973.

لا أعنى هنا فقط نظرية التخطيط أو التآمر من قبل إسرائيل، فقناعتى أن المؤامرة فعل موجود منذ خروج أبينا آدم من الجنة، حينما تآمر إبليس عليه، ولكن لولا ضعفه ما نجحت المؤامرة. بمعنى أن المؤامرة موجودة منذ القدم، ولكننا الضلع المنفّذ لها جهلاً أو خيانة أو ضعفاً، ولكننى أتساءل هنا عن استعدادنا كشعوب وقعت تحت هجمات التكنولوجيا المعلوماتية والفقر والجهل والفوضى والإرهاب لفهم حقيقة ما يواجهنا فى ظل وجود من يواصل التخطيط وفقاً لمصالحه؟ فإذا كانت أزمة جيلى هى الحصول على المعلومة، فإن أزمة هذا الجيل فى تحليلها والتأكد من صحتها وربطها بغيرها لفك الطلاسم.

نعم انتهت حرب أكتوبر بانتصارنا، ولكنها مجرد معركة فى حرب تضم معارك عدة لم ولن تنتهى، وعلينا الانتباه ومواصلة العمل لحماية مستقبل نصنعه اليوم.

Rochen Web Hosting