رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

من توابع الفوضى! (3)

قسم : مقالات
السبت, 20 مارس 2021 11:06

من الفوضى، أو بالأحرى من الارتباك وقلة الخبرة، تشكلت لجنة ثانية، خلاف الأولى، لتؤدى مهمة تعديل المواد المعيبة بدستور 1971، وبغض النظر عن الملاحظات التى قيلت حول تشكيل اللجنة، وضم محام من جماعة الإخوان إليها لا خبرة له بالمسائل الدستورية، فإنه كان الأجدى، أن يوكل إلى اللجنة إتمام هذه المهمة بمراجعة دستور 1971 برمته، وهى لو فعلت لكان من السهل جداً، بعد تقليص السلطات الواسعة المقررة فيه لرئيس الجمهورية، الإبقاء على هذا الدستور الذى لا عيب فى باقى مواده بعد هذه الإصلاحات المستفتى عليها فى 19 مارس 2011، وبعد تقليص سلطات رئيس الجمهورية، ولو تم ذلك، لكان كفيلاً بأن يقينا الفوضى التى دخلنا فيها لوضع دستور بقينا نتخبط فى ترتيبات وضعه من خلال التخبط فى تشكيل الجمعية التأسيسية، هذا التخبط الناجم عن رغبة الإخوان والسلفيين فى الاستحواذ على الجمعية توطئة للاستحواذ على الدستور المزمع وضعه.

كانت هذه الغلطة، هى التى قادت إلى سلسلة من الأغلاط التى عانينا منها، أولها، البدء بانتخابات مجلسى الشعب والشورى قبل وضع الدستور، بيد أن هذه الغلطة، وتوابعها، ظلت تفضى إلى فوضى تُسلم بدورها إلى فوضى!

تجلى هذا فى المحاولة الإخوانية / السلفية الأولى لتشكيل الجمعية التأسيسية، فقد فرضا خلافاً لما ارتآه كل المصريين، أن يخصصا «حصة» تحكمية (50%) لمجلسى الشعب والشورى فى تشكيل الجمعية، وقاما بانتخابها من الإخوان والسلفيين طبعاً، ولتشارك أيضاً فى اختيار الـ50% المتبقية، وقد أفرز هذا التحكم الفوضوى، جمعيةً تأسيسيةً لا تعبر عن مصر، ولا عن مصالح مصر، ولا عن مقتضيات وضع دستور للبلاد يعبر عن كل المصريين، وليس فقط عن الفصيلين اللذين تمكنا من الاستحواذ على مجلسى الشعب والشورى نتيجة البدء بانتخاباتهما قبل الدستور، وبقوانين غير دستورية فصلت لصالح الإخوان على نحو ما سلف، هى المراسيم 108، 120، 123 لسنة 2011. وكان من المفارقات المؤسفة أنه مع اختيار طالب بالسنة الأولى بطب الأسنان، ولاعب كرة، خلت الجمعية المتحكم فى اختيارها من قامات عديدة، سواء من أساتذة القانون والفقه الدستورى على التخصيص، أم من غيرهم من العلماء الكبار فى الاقتصاد والفكر السياسى، وفى الثقافة والتعليم، وفى الصناعة والزراعة والتجارة، وغير ذلك من المجالات اللازمة لوضع التصورات العامة للدستور التى ينهض فى النهاية رجال القانون والفقه الدستورى على صياغتها فى مواد تشكل فى النهاية الدستور المأمول للبلاد.

لم يحتكم هذا الاختيار التحكمى المستحوذ إلى العقل، ولم يراع المصالح العامة، ولم يصدق أن هذا العمل الضرير مخالف للقانون ومآله إلى البطلان، إلى أن أتاه خبر اليقين فى حكم محكمة القضاء الإدارى، الذى أوقف قرار المجلسين لما شابه من بطلان تحدثت به الركبان، ورآه الكافة إلاّ المتحكمون فى هذا الاختيار الضرير!!!

مع أن الإخوان أبدوا، خلال حوار الأطياف الوطنية مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، الاستعداد لتشكيل جمعية تأسيسية تعبر عن كافة أطياف المجتمع، إلاَّ أنه حين جد الجد، تخلف الإخوان عن حضور الاجتماعات، ثم فاجأوا الجميع بعقد جلسة لمجلس الشعب قبيل الحكم القاضى بحله، حيث قاموا بوضع مشروع قانون لتحديد ضوابط ومعايير انتخاب الجمعية التأسيسية، ومن هوجة العجلة العجولة، لم ينتظروا إصدار القانون سالف الإشارة، حيث يتفق الإعلان الدستورى 30 مارس ودستور 1971، على أن القوانين لا تصدر إلاَّ من رئيس الجمهورية الذى حل محله مؤقتاً رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

سارع المجلسان: الشعب والشورى، صبيحة المشروع الذى لم يصادق عليه، ولم يصدر ومن ثم لم يصدر قانوناً، فاجتمعا وانتخبا جمعية تأسيسية، لم يكتفيا بأن 70% من أعضائها من الإخوان والسلفيين، ولا بأن الاختيار كما سلف فى المرة الأولى قد تجاهل كثيراً من فقهاء القانون والدستور، وكثيراً من قامات مصرية عالية وقادرة ومحل احترام وتقدير، وإنما خالف حكم محكمة القضاء الإدارى، واختار أربعين عضواً من مجلسى الشعب والشورى وجميعهم كالعادة! من الإخوان والسلفيين، فحكموا سلفاً على هذا الاختيار المتعسف بالبطلان، لعدة عيوب لا تفوت البصير!! لندخل من فوضى إلى فوضى كما سوف نرى!!

بدأت الجمعية التأسيسية الثانية مهمتها، بمشكلات متراكبة من جراء العجلة، أو إن شئت من جراء شيوع الفوضى بتجاوز الأصول والضوابط والمعايير.. استقبلتها دعاوى قضائية ببطلان تشكيلها، لأنه جرى اعتسافاً قبل صدور قانون بمعايير وضوابط تشكيلها، وخلافاً لحكم القضاء الإدارى باختيار أربعين عضواً من مجلسى الشعب والشورى، واستقبلتها اعتذارات وانسحابات جسدت مشكلة إثر غياب مجلس الشعب بعد حكم الدستورية العليا 14/6/2012، فقد كان مجلس الشعب المنوط به استعواض من يتوفى أو يعتذر أو ينسحب أو يستقيل من عضوية الجمعية التأسيسية. فما الحل، ولم يعد لمجلس الشعب وجود؟!

نبتت فكرة الأخذ من القائمة الاحتياطية بترتيب كتابة الأسماء فيها، فاعترض أحد أعضاء حزب التجمع بأن هذه العشوائية سوف تخل بالتمثيل النسبى فى تشكيل الجمعية.. فقد يكون المعتذر أو المنسحب أو المستقيل مسيحياً أو من الكنيسة، بينما الالتزام العشوائى بمجرد ترتيب كتابة الأسماء بالقائمة الاحتياطية، يومئ بمسلم أو بأحد علماء الأزهر، أو العكس. فيختل التمثيل النسبى بالجمعية، فرد أحد أعضاء حزب الحرية والعدالة بأن غير ذلك سوف يؤدى إلى بطلان. فبدا أن الإجراءات تهرب من بطلان إلى بطلان!

وتوالت الانسحابات والغيابات، مع استقالة أربعة أعضاء من مجلس الشورى من عضوية اللجنة من الحرية والعدالة والسلفيين، درءاً فيما قيل لشبهة مخالفة قرار التشكيل الثانى للجنة، ولم يلتفت أصحاب الاقتراح إلى أن هذه الاستقالات تؤكد الشبهة ولا تنفيها، لأنها إقرار ضمنى بأن الاختيار من الشعب والشورى يوم انتخاب الجمعية كان خطأ، وأن العبرة فى تقييم القرار بعناصره وقت صدوره، ولذلك لا يجبر أن يستقيل أعضاء الشورى، أو أن تزول صفة العضوية بمجلس الشعب بعد حكم الدستورية العليا!!

وفى محاولة لرأب بعض الصدع، صادق رئيس الجمهورية آنذاك وأصدر مشروع قانون الضوابط والمعايير الذى لم يصدر قبل صدور حكم الدستورية العليا، وانقضى بذلك وجوده، لأن الاستثناء الذى جاء بحكم الدستورية العليا، لا ينصرف إلاَّ للقوانين التى صدرت صحيحة قبل الحكم، ولا يسرى على مشاريع القوانين التى لم تصدر، ومن ثم انصرف التصديق والإصدار إلى معدوم، وحمل مفارقة تتضح من مراجعة مواده، فكل ما تدعو إلى الالتزام به قد صار كله من الماضى، وكأن القانون ينظم أسلوب حملٍ لمولود قد ولد بالفعل، وكان ذلك من توابع الفوضى التى لا يمكن أن تفضى إلاَّ إلى فوضى تراكب الأغلاط غلطاً وراء غلط!!!

Rochen Web Hosting