رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الخلاص في: «ملعون أبو الدنيا»

قسم : مقالات
الأربعاء, 21 أبريل 2021 12:06

عبّر صناع السينما عن ظروف أخرى غير الظروف السياسية والاقتصادية تكالبت على المصريين خلال فترة الأربعينات فأرهقتهم معيشياً وإنسانياً كل الإرهاق.

لم تعد فوضى الشارع السياسى فى مصر التى عبّر عنها فيلم «السكرية» هى الرافد الوحيد لمعاناة المصريين، بل أتتهم السماء بألوان شتى من الابتلاءات.

تجد ذلك حاضراً فى واحد من أهم وأجمل أفلام السينما المصرية، وهو فيلم «خان الخليلى» المأخوذ عن رواية بالاسم نفسه لنجيب محفوظ تحكى سيرة أسرة «عاكف أفندى» مع «الحرب والحب والمرض».

أخرج الفيلم «عاطف سالم» عام 1966، وتبدأ أحداثه، كما بدأت القصة، فنشاهد أسرة أفندى عاكف المكونة من الأم والأب والابن الكبير «أحمد» وهى تنتقل من حى السكاكينى للعيش فى جوار الحسين، بعد أن أقضَّت غارات الألمان خلال الحرب العالمية الثانية مضاجعهم، وهددت حياتهم، فهرولوا إلى حى الولى العظيم الحسين بن على ليحتموا به.

كان الأب وكذا الأم يؤمنان أن الألمان يعرفون مقام حى الحسين الذى يرقد فيه الرأس الشريف لسبط النبى، وأنهم ليسوا من الغباء ليقصفوا هذا الموضع ليثيروا غضب المصريين، خصوصاً أنهم يعلمون أن قطاعاً منهم منحاز للألمان ضد الإنجليز، ويهتفون لروميل وهتلر.

إنها الحرب التى أوجعت قلوب أفراد الأسرة، لكن الظروف أضافت إلى قلب الابن الأكبر أحمد وجعاً جديداً وهو يبحث عن ذاته.

لم يكمل «أحمد» تعليمه مثله مثل كثير من المصريين، وآثر أن يتوظف فى الحكومة بمجرد الحصول على البكالوريا، بعدها استغرق فى القراءة، كان يحفظ الأفكار التى يطالعها أكثر مما يفهمها، وكان يجد فى حفظها وسيلة لإثبات ذاته أمام من تخرجوا فى الجامعات والمدارس العليا.

مضى به قطار العمر ولم يتزوج، وبدأ الأمل يتسكع فى دمه وأعصابه عندما لمح ابنة الجيران فى أول يوم للأسرة بحى الحسين. أخيراً وجد الخلاص. وجده فى الحب الذى بدأ يملأ حياته بالبهجة والأمل، لكن القدر كان له إرادة أخرى.

عاد أخوه الأصغر الذى يعمل فى أحد البنوك بالصعيد فى إجازة العيد، وشاءت الأقدار أن تلتقى عيناه بعينى الفتاة التى عاش معها «أحمد» وهْم الحب، لكن الوهم تحول إلى حقيقة فى حياة الأخ الأصغر، فأحبته الفتاة وخطبها من أبيها.

اهتز كيان «أحمد أفندى عاكف» هزة عنيفة تحت وطأة ضياع الوهم الذى أمتعه لبعض الوقت، هام على وجهه مع شلة الحسين التى يتزعمها المعلم «نونو» الذى علمته الحياة ألا يكترث بأى شىء فيها وأن يبحث عن متعه العاجلة ويذوب فيها ويرفع شعار «ملعون أبو الدنيا».

يجلس أحمد أمام إحدى سيدات الليل التى عبر بها الزمن عبوره به يشكو لها إحساسه بالضياع فى الحب والحياة فتنصحه بأن يبحث له عن «عتقية مثله».

لم تنتهِ أوجاع الأربعينات عند ضربات الحرب أو أوجاع الحب، بل كانت الأوبئة والأمراض المتوطنة صقراً جارحاً يفرد أجنحته على «الخلايق والمدى».

أصيب الشقيق الأصغر بالسل، وبدأ يأكل فى جسده، ارتجت الأسرة بالحزن، وقتلت الهواجس أحمد عاكف، وهو يحدّث نفسه بأن اختفاء شقيقه الذى يوشك على الوفاة سيخلى له مساحة ليجدد أمله مع الفتاة التى أحبها وخطفها الصغير فى إجازة العيد، يلوم نفسه ويسلقها بلسان حاد حين مر عليها هذا الهاجس.

تغيم الأجواء أكثر فتنذر بالأحزان القادمة. يموت الشقيق الأصغر.. ويهدأ غبار الحرب العالمية الثانية.. وتقرر الأسرة ترك حى الحسين والعودة إلى حى السكاكينى، وقد نقصت واحداً.

يسير الأب والأم وابنهما أحمد خلف «العزال» الذى تتبختر به إحدى العربات «الكارو» مشيعين بصوت المعلم «نونو» وهو يردد بصوت كسير «ملعون أبو الدنيا».

إنها العبارة التى وجد فيها أحمد عاكف الخلاص.. «ملعون أبو الدنيا»

Rochen Web Hosting