رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

من وحي اللحظة

قسم : مقالات
السبت, 10 يوليو 2021 13:20

إنها سمة أساسية من السمات التى تحكم تفاعل المصريين مع الحياة وأحداثها. فنحن دائماً ما نتلكأ حتى اللحظة الأخيرة، لنتحرك فيها بسرعة وبجهد مضاعف، حتى نستجيب لمتطلبات الموقف.

تجد الأداء من وحى اللحظة حاضراً فى سلوك المواطن البسيط، حين يفاجأ ليلة الرؤية بأن رمضان غداً، وأن عليه أن يجهّز سحوره ويستعد للصوم، وأن غداً هو أول أيام العيد، وأن غداً هو أول أيام الدراسة، وأن وأن وأن.

كثيراً ما يميل المصريون إلى تأجيل ما يجب عليهم فعله إلى اللحظة الأخيرة، ولا يميلون إلى الإعداد المسبق، أو التخطيط طويل الأمد.

هناك استثناءات بالطبع لهذه القاعدة، فمن بين المصريين من يحرص على أداء الأشياء فى مواقيتها الطبيعية، ولا يؤجل عمل اليوم إلى الغد، ولا يخضع لضغوط اللحظة عندما يسلك فى الحياة، لكن الاستثناء دائماً ما يؤكد القاعدة ولا ينفيها، وهى قاعدة لا تنطبق على حركة الواقع فقط، بل أيضاً على حركة التاريخ، وبإمكاننا أن نستدعى الكثير من الأحداث التى شهدت تحركات كان الأساس فيها ضغوط الظرف ووحى اللحظة.

انظر على سبيل المثال إلى ما يحكيه المؤرخون عن ظروف ميلاد فكرة ثورة يوليو فى ذهن الرئيس الراحل «جمال عبدالناصر»، وذلك فى لحظة فارقة -أثناء حصار الفالوجا- أدرك فيها أن نكبة الأمة فى فلسطين سببها هناك فى القاهرة، حيث الملك الفاسد، وسيطرة الإقطاع على أرزاق ملايين الفلاحين. لم يكن فى نية جمال عبدالناصر أن يتحرك بالجيش ضد الملك يوم 23 يوليو 1952، بل كان ينوى أن يقوم بوثبته على الحكم يوم 4 أو 5 أغسطس من ذلك العام، لكن حدث أن تسرّبت إليه معلومات -من خلال الصحفى الشهير أحمد أبوالفتح- عن تجهيز 14 زنزانة للضباط المتمردين على الملك بعد أن وصله كشف بأسمائهم.

وتحت ضغط الظرف، ومن وحى اللحظة، اتّخذ الرئيس «جمال عبدالناصر» قراراً بتعيين «أنور السادات» نائباً له فى إحدى ليالى شهر ديسمبر 1969، أى قبل وفاته بتسعة أشهر. كان «عبدالناصر» ينوى السفر إلى المغرب، لحضور مؤتمر القمة الإسلامى، وكان يخشى من اغتياله، بالإضافة إلى إصابته بأزمة قلبية قبل هذا القرار بثلاثة أشهر، لذلك بادر إلى تعيين «السادات» نائباً له، ليمثل كما يزعم البعض مرحلة انتقالية، حتى يتم تنظيم أمور الدولة! ويشير بعض المعاصرين لهذه التجربة إلى أن عبدالناصر كان ينوى عزل «السادات» من هذا المنصب، لكنه نسى ذلك فى غمرة مشاغله، حتى وافته المنية، ليتولى السادات الحكم من بعده!.

وبعيداً عن الروايات التى يحاول البعض تلفيقها فى هذا الاتجاه، يبدو الخضوع لظروف اللحظة واضحاً فى الطريقة التى صنع بها «عبدالناصر» قراره. والطريقة التى سارع بها رجاله للالتفاف حول «أنور السادات»، رغم عدم قناعتهم به. فهذا النمط من الأداء يدل على أن الكل كان يخضع لـ«وحى اللحظة» دون أن تكون لديه خطط مسبقة، رغم المعلومات التى توافرت لديهم بصورة مبكرة عن مرض «عبدالناصر»، واحتمالات وفاته، لكن التحرك من وحى اللحظة كان سيد الموقف.

وعندما تولى «السادات» رئاسة الجمهورية، كان يعلم أن من حوله يرون أنه ارتدى «بدلة» واسعة جداً عليه، ومع ذلك فقد سعى إلى التعامل معهم، ولم يحاول الإطاحة بهم، إلا فى تلك اللحظة التى أدرك فيها أن رجال «عبدالناصر» يتآمرون عليه، فتخلص منهم جميعاً، ليخلو له الملعب ويقيم ما أطلق عليه «دولة العلم والإيمان».

Rochen Web Hosting