رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

الأحباش ينجحون في قصف الكعبة

قسم : مقالات
الأحد, 18 يوليو 2021 22:10

 

 

لم يكن هجوم أبرهة الأشرم هو الهجوم الوحيد الذى تعرّضت له الكعبة المشرفة، فقد مكنت الظروف الأحباش من قصف الكعبة تحت إشراف الحجاج بن يوسف الثقفى، حين ثار عبدالله بن الزبير ضد خلافة عبدالملك بن مروان.

 

كان ذلك سنة اثنتين وسبعين من الهجرة. وفيها بعث عبدالملك بن مروان «الحجاج» إلى مكة، لمحاصرة «ابن الزبير». وكان السبب فى بعثه له دون غيره أنه دعا الناس إلى قتال عبدالله بن الزبير بمكة فلم يجبه أحد، إلا «الحجاج» الذى انبرى واقفاً وقال: أنا له يا أمير المؤمنين.

 

تحرّك «الحجاج» سريعاً إلى الحجاز، وحاصر عبدالله بن الزبير، وتواصل حصاره له خمسة أشهر وسبع عشرة ليلة، وقد نصب الحجاج المنجنيق حول مكة ليحصر أهلها، حتى يخرجوا إلى الأمان والطاعة.

 

هنا ظهر الأحباش على مسرح الأحداث، ليتمكنوا من تحقيق الحلم الذى عجزوا عن إنجازه مع جدهم «أبرهة»، فقد اعتمد الحجاج على أفراد من الحبشة للقيام بمهمة رمى الكعبة بالمنجنيق، وكانوا يتمتعون بمهارة خاصة فى استخدام هذا السلاح.

 

شرع الأحباش يقصفون بالمنجنيق، وأخذت الحجارة تقع فى جوف الكعبة، فلما رأى أنصار عبدالله بن الزبير ذلك قالوا له: ألا تكلمهم فى الصلح؟. فقال: والله لو وجدوكم فى جوف الكعبة لذبحوكم جميعاً، والله لا أسألهم صلحاً أبداً.

 

وذكر غير واحد -كما يحكى ابن كثير- أنهم لما رمى الأحباش الكعبة بالمنجنيق جاءت الصواعق والبروق والرعود، حتى جعلت تعلو أصواتها على صوت المنجنيق، ونزلت صاعقة فأصابت من الشاميين اثنى عشر رجلاً، فضعفت عند ذلك قلوبهم عن المحاصرة، فلم يزل الحجاج يشجّعهم ويقول: إنى خبير بهذه البلاد. هذه بروق تهامة ورعودها وصواعقها. وإن القوم يصيبهم مثل الذى يصيبكم. وجاءت صاعقة من الغد فقتلت من أصحاب «ابن الزبير» جماعة كثيرة أيضاً، فجعل الحجاج يقول: ألم أقل لكم إنهم يصابون مثلكم، وأنتم على الطاعة وهم على المخالفة!

 

وأمام الحصار وآلة القتل العاتية لم يكن أمام أهل مكة من أنصار عبدالله بن الزبير إلا التسليم، فبدأوا يخرجون إلى «الحجاج» طالبين الأمان، حتى خرج إليه أكثر من عشرة آلاف فأمّنهم، وقلّ أصحاب ابن الزبير، حتى خرج إلى «الحجاج» حمزة وخبيب ابنا عبدالله بن الزبير، فأخذا لأنفسهما أماناً من الحجاج فأمنهما.

 

ودخل عبدالله بن الزبير على أمه (أسماء بنت أبى بكر) رضى الله عنها وعن أبيها، فشكا إليها خذلان الناس له وخروجهم إلى «الحجاج» حتى أولاده وأهله، وقال لها: «لم يبقَ معى إلا اليسير، ولم يبقَ لهم إلا صبر ساعة، والقوم يعطوننى ما شئت من الدنيا. فما رأيك؟. فقالت: يا بنى أنت أعلم بنفسك. إن كنت تعلم أنك على حق وتدعو إلى حق فاصبر عليه، فقد قُتل عليه أصحابك، ولا تمكّن من رقبتك يلعب بها غلمان بنى أمية. وإن كنت تعلم أنك إنما أردت الدنيا فلبئس العبد أنت أهلكت نفسك، وأهلكت من قُتل معك. فقاتل «ابن الزبير» حتى قُتل.

 

يشير صاحب «البداية والنهاية» إلى أنه «لما قتل ابن الزبير ارتجّت مكة بالبكاء، فخطب الحجاج الناس، فقال: أيها الناس إن عبدالله بن الزبير كان من خيار هذه الأمة، حتى رغب فى الخلافة ونازعها أهلها، وألحد فى الحرم، وإن آدم كان أكرم على الله من ابن الزبير، وكان فى الجنة، وهى أشرف من مكة، فلما خالف أمر الله وأكل من الشجرة التى نهى عنها أخرجه الله من الجنة، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله».

 

كذلك لسان الاستبداد فى كل زمان ومكان قادراً على قلب الحقائق، وإلباس الباطل ثوب الحق. فكل إنسان شريف كريم حتى إذا عارض والينا، فإنه يصبح حلال الدم!

Rochen Web Hosting