رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

لا بدَّ للمكبوت من فيضان

قسم : مقالات
الثلاثاء, 27 يوليو 2021 13:18

تتبخر قطرات الماء إلى السماء، وتتكاثف فى كتل ضخمة من السحب، تظل تثقل مع كل قطرة جديدة، حتى تنوء بحملها، ومع هبوب الريح تبدأ فى التصادم، لينفجر المكبوت داخلها، يعلو صوت الرعد منفجراً مزمجراً بالخطر القادم، وتنطلق الصواعق فى السماء بصورة تخطف الأبصار، وينهمر الماء سيلاً عارماً يجرف ما فى طريقه.

إنه الفيضان الذى تستحيل فيه المياه التى جعلها الله نعمة للبشر، وجعل منها كل شىء حى، إلى نقمة وأداة قتل وتدمير لحياة البشر على الأرض.

تعيش العديد من الدول حالياً مأساة كبرى بعد أن اجتاحتها الفيضانات، ما تسبب فى قتل البشر وجرف الحجر، ألمانيا وبلجيكا وتركيا والهند والصين نماذج للدول التى عانت من الفيضانات العارمة خلال الأيام الأخيرة.

تحاول قوات الإنقاذ فى هذه الدول كبح جماح المياه القاتلة بكل الطرق الممكنة، يكافحون بكل طاقتهم من أجل ترويض ما لا يروض، يسقط من بينهم ضحايا، لكن ليس ثمة من مفر.. فلا مناص من أن تهدأ ثورة الفيضان من نفسها وبإرادة من سيّرها.

لا يستطيع أحد أن يوقف كتلة السحب الضخمة المكبوتة حين تنفجر فتستحيل إلى طوفان يجرف ما فى طريقه. يقول الشاعر الفيلسوف محمد إقبال: «لا بدَّ للمكبوت من فيضان»، وذلك فى وصف نفسه التى تريد أن تنفجر مثل كتلة السحاب، بعد أن احتشدت بداخلها أنات الجوى: «قيثارتى مُلئت بأنات الجوى.. لا بد للمكبوت من فيضان».

يعزو السياسيون الفيضانات التى ضربت أنحاء عديدة من العالم إلى التغيرات المناخية التى يشهدها العالم، وهى تغيرات لها تأثيرات داهمة على حياة البشر على الكوكب، وما زالت تأثيراتها تعمل -وقد تزيد فى المستقبل- لتغير وجه الحياة على الأرض، وترسم لها صورة غير الصورة التى نعرفها.

هناك دول أخرى مرشحة لمواجهة فيضانات شبيهة خلال الأيام القادمة، من بينها -على سبيل المثال- دولة السودان التى ثار الماء فيها ثورة عارمة، وخرج المسئولون بها متحدثين عن مخاطر الملء الثانى لسد لنهضة وتأثيراته على موسم الفيضان الحالى، ولعلك تعلم أن السودان تعرض لمحنة شبيهة خلال العام الماضى حين غرقت قرى بأكملها جراء الفيضان.

إثيوبيا أيضاً تخشى مواجهة فيضانات خلال الأيام القادمة، فى تكرار للفيضانات التى واجهتها خلال العام الماضى وأدت إلى نزوح الآلاف من السكان عن قراهم.

ثمة إشارة تربط ما بين الطوفان وتغيير وجه الحياة على الأرض تجدها فى قصة نبى الله نوح التى حكاها القرآن الكريم، وهو الفيضان الذى لم ينجُ منه إلا من ركب السفينة التى صنعها نوح وسط سخرية قومه، ولما جاءت لحظة الحقيقة، اقتلع الفيضان الجميع، ولم يتمكن أحد من النجاة إلا من أوى إلى السفينة، حتى من حاول الاعتصام بالجبال -مثل ابن نوح- لم ينجُ.

كانت لحظة حقيقة اجترفت كل ما هو مزيف، لتعيد رسم وجه الحياة على الأرض.

Rochen Web Hosting