رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

في محبة الفن والفنان

قسم : مقالات
الأحد, 15 أغسطس 2021 21:33

تكريم اسم سمير غانم ليس مجرد تكريم عابر أو خبر فى جريدة أو نشرة أخبار، وهو أيضاً ليس لسمير غانم فقط وإنما للفن والفنانين عموماً، ودلالاته أشمل وأعم من حصره فى شخص بعينه، هو تكريم للفن وللكوميديا أيضاً، فالكوميديا كانت تعانى من إهمال يصل إلى حد اعتبار حصول الكوميديان أو الفيلم الكوميدى على جائزة فى مهرجان كبير، عاراً وخطيئة، التكريم هو تكريم للبهجة فى مجتمع أراد له أعداء الحياة وأهل الشر الكآبة والتجهم، فتيار الفاشية الدينية يقتات على الخوف وينمو بالرعب، ولذلك فهو يكره الفن عامة والكوميديا بشكل خاص، ويفهمون ويترجمون فن السخرية الرفيع إلى ردح وشتيمة وسباب وأعترف بأنهم فى وقاحة السباب أساتذة وبامتياز.

حاول الإخوان طوال تاريخهم عندما تنبهوا لتأثير الفن أن يخرجوا لنا فناناً من صفوفهم وفشلوا فشلاً ذريعاً، فالفن يخاصم القيود ويعشق الحرية، الفن مغرم بالسؤال والتفاصيل، والفاشية الدينية تقتل السؤال وتحول الشخص إلى تابع مقهور ومنسحق، كل مظاهر الاهتمام بالفن، سواء تكريم أو إطلاق اسم على مشروع أو تكفل بعلاج أو دعم مهرجان.. إلخ، كل هذا يصب فى مصلحة الدولة المدنية الحديثة، فالتيار الذى يدعو للدولة الدينية الداعشية هو تيار كاره للفن وعلى عداء مزمن معه، فهو يعرف أن الفن ينافس على مساحة الوجدان، ويفتح نافذة التأمل والبحث والسؤال والتقصى وعدم قبول البديهيات كشىء مفروغ منه، الفنان الحقيقى لا يقتنع بظاهر الأشياء بل يغوص فى العمق، لا يقتنع بأن الحجر أصم، بل يصنع منه حياة ويخلق نبضاً.

الفنان متمرد على خرس وصمت الأوامر والفرمانات التى يصدرها المرشد والأمير والداعية، هذا التمرد يجعله لا يستطيع الانخراط فى تلك التنظيمات الفاشية، يجعله مصدر إزعاج لعصابة السمع والطاعة، فهو لا يسمع إلا همس ضميره ولا يطيع إلا سحر الفن، وعندما يذهب فنان إلى تنظيم دينى جهادى تكفيرى، فهو يعلن وفاته، ويوضح أنه لم يكن فناناً حقيقياً، بل كان مجرد «بلية» فى ورشة متهالكة لم يعرف سر الصنعة وخلطتها السحرية، الفن ولد فى رحم المعبد واختلط بطقوسه، وعندما تمرد وانطلق خارج الأسوار، ظل رجل الدين يحاول ترويضه لصالحه، لا عن استمتاع، بل عن استخدام، هو يريد ضمه إلى خلطة السلطة واستعماله كمخدر أو مؤثر أو محرّض ليس إلا.

رفض الفن أن تستخدم أجنحته كمروحة بجانب كرسى الكاهن أو الشيخ أو الحاخام، أبى الفن أن يعير ألوان فراشاته لصبغ عماماتهم، تكريم الفن هو تكريم للحياة، تكريم الفنان هو تكريم للتحضر، قيم تمجيد الذبح والقتل والحرق والسحل والتفجير تسقط مع أول قوس كمان يلمس شغاف القلب، تتحطم مع أول لقاء لريشة على سطح أبيض صامت ينتظر النطق بالألوان والظلال، تذوب مع أول خطوة راقصة باليه تعانق المستحيل وتلمس اللانهاية، تلك الأفكار الهمجية يخترقها أول إزميل نحات يكشف ستر الجرانيت العنيد، الفن عدو الفاشية وسيظل حائط الصد الأخير الذى يحمينا من عصابة الشر.

 

Rochen Web Hosting