رئيس مجلس الادارة
رئيس التحرير
ميرفت السيد
ترخيص المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 2022/31

سكان الزمالك.. وحديقة الأسماك

قسم : مقالات
الجمعة, 08 أكتوبر 2021 11:26

 

 

الضجة التى أثارها سكان حى الزمالك مؤخرًا بشأن «حديقة الأسماك» فى محلها. والسكان (وأنا منهم) معهم الحق فى أن يطالبوا بمعرفة ما يجرى التخطيط له فى هذه الحديقة التاريخية والجميلة، ويتوجسوا من تضارب الأخبار وقلة المعلومات، ويرفعوا أصواتهم مطالبين بالحفاظ عليها.

.. بل إن معهم الحق خمس مرات:

المرة الأولى، لأنه لا عيب على الإطلاق فى أن يتعاون قاطنو أى حى سكنى دفاعًا عن مصلحتهم المشتركة والمشروعة فى الحفاظ على مساحة خضراء، بل هذا هو السلوك الطبيعى الذى ينبغى أن يكون محل تقدير، وأن يلقى ترحيبًا واستجابة من الجهات المسؤولة.

والمرة الثانية، لأن حديقة الأسماك لا تمثل مصلحة خاصة لسكان الجزيرة وحدهم، ولا يقتصر استخدامها والتمتع بها عليهم، بل إنها متنزه عام يفد إليه الزائرون من كل المناطق القريبة والبعيدة، ويتمتعون بخضرته النادرة وبرسم دخول فى متناول الجميع، ويتيح للناس مساحة مفتوحة وآمنة دون مشقة ولا تكاليف باهظة، فهى بهذا المعنى قضية عامة.

والمرة الثالثة، لأن القضية المثارة لا تتعلق بهذه الحديقة وحدها، بل بضرورة الحفاظ على الحدائق والمساحات الخضراء والأماكن المفتوحة القليلة الباقية فى القاهرة وسائر المدن المصرية من الانتهاك المستمر والاقتطاع من هنا وهناك و«التطوير» الذى يحولها لكتل أسمنتية.. مرة بزعم توفير أماكن انتظار، ومرة لتدبير أراضٍ لمزيد من المبانى والمصالح الحكومية، ومرة لطرحها للاستثمار التجارى. والقاسم المشترك هو النظر إلى هذه الحدائق العامة على أنها بلا قيمة تستحق الحفاظ عليها، وأنها بالتالى مباحة ويلزم استغلالها بشكل أو بآخر.

والمرة الرابعة، لأن لسكان الزمالك تجارب متكررة مع محاولات سابقة لاستغلال هذه الحديقة بالذات طوال السنين.. أذكر منها واحدة جرت منذ حوالى ثلاثين عاما حينما شرعت المحافظة آنذاك فى تحويل جزء من الحديقة لموقف انتظار للسيارات من أجل حل المشكلة التى تسبب فيها بناء عمارة شاهقة ومخالفة لكل الضوابط والمعايير العمرانية والمرورية والجمالية.. وبدلا من التصدى للفساد وسوء التخطيط الأصليين، كان الحل كالمعتاد هو الاعتداء على المساحة الخضراء المتاحة.. ولكن نجحت وقتها حملة سكان الحى فى إنقاذ الحديقة. ومن هذا الوقت لا يمر عام أو عامان إلا وتلوح فى الأفق محاولات الاعتداء على الحديقة مرة أخرى.

أما المرة الخامسة، فلأن سكان حى الزمالك لم يكتفوا بمجرد المطالبة بعدم إجراء أى تغيير فى الحديقة والإبقاء على الوضع الحالى بلا تغيير، بل سعوا للتواصل مع المسؤولين، واجتمعوا بينهم وتناقشوا، وأعلنوا استعدادهم للتعاون مع الحى من أجل رفع شأن الحديقة وحمايتها والحفاظ على نظافتها ومرافقها وخدماتها دون اقتلاع أشجارها أو الاقتطاع من مساحتها أو غزوها بالمحال العامة.

الضجة التى أثارها سكان الزمالك فى محلها وتستحق التقدير والدعم، لأنها لا تسعى للحفاظ على مصالح خاصة ضيقة، ولا للتكسب وتحقيق منافع مادية، ولا لتجاهل القانون. ولعل الموضوع كله يكون مجرد شائعة أو سوء فهم أو ترتيب أبسط من كل هذا بكثير. ولكن على المسؤولين أن يقطعوا الشك باليقين، ولا يكتفوا بمجرد النفى والإنكار، بل المطلوب هو فتح باب التشاور مع السكان والترحيب بالتعاون معهم وعرض أى مقترحات للتطوير عليهم بدلا من ترك الساحة مفتوحة للشائعات والتكهنات بلا داعٍ.

ولعلها فرصة لكى نقدم جميعًا نموذجًا للتعاون المطلوب بين السكان والحى من أجل الحفاظ على البيئة، وعلى المساحات الخضراء، وعلى تراث القاهرة القديمة، وكلها مصالح عامة أكيدة.

 

Rochen Web Hosting